وصف المناضل من أجل الحرية وليام بيكنس في عام 1921، وادي نهر الميسيسبي، بأنه بمثابة "كونغو أميركية". وتحت عنوان "الكونغو الأميركية"، تقدم أستاذة تاريخ الولايات المتحدة الحديث، نان اليزابيت وودروف، كتاباً تتحدث فيه عن نضال الأميركيين من أصل إفريقي، من أجل حصولهم على الحريّة، في منطقة الدلتا المحيطة بنهر الميسيسبي، في جنوب الولايات المتحدة الأميركية.
وتشرح المؤلفة أن الكونغو، البلد الإفريقي، عندما كانت تصلح جيدا، في ظل حكم الملك البلجيكي ليوبولد الثاني، لأن تكون مجازا للدلالة على منطقة الدلتا الأميركية، في بدايات القرن العشرين. والمنطقتان، أي الكونغو الإفريقية والدلتا الأميركية، كانتا تبديان، من جهة، وجهاً ينمّ عن اكتساب درجة متقدمة من العلم والتقدّم، ولكنهما كانتا تعرفان في الواقع، من جهة ثانية، ظروف عمل شاقّة، وحالة من العنف والرعب.
ومثلما كان المستعمرون البلجيكيون يحاولون استغلال المستوطنات الإفريقية لصالح الرأسمالية الأوروبية عامة، والبلجيكية خاصة، كان التطوّر الاقتصادي الكبير الذي عرفته منطقة دلتا المسيسيبي، يصب في مصلحة مجموعة من الأغنياء الأميركيين، ذوي الأصول الأوروبية، البيض، والذين استخدموا اليد العاملة السوداء، ذات الأصول الإفريقية، في مزارعهم الشاسعة.
ومن أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب، عمد أصحاب المزارع البيض، إلى تبنّي استراتيجية مزدوجة، رمت بالتحديد إلى تأمين الخضوع الكامل من قبل العمال الزراعيين، غير البيض. وهكذا جرى العمل بنظام رقابة شبه كاملة على ميداني الاقتصاد والسياسة المحليين، الأمر الذي عكس تطبيق الرأسمالية الحديثة وآليات تسيير المجتمعات النامية ذات الاقتصاد الزراعي، بإحدى صورها الأكثر وضوحا، في بدايات القرن العشرين.
وتشرح المؤلفة، على مدى العديد من صفحات الكتاب، حقيقة أشكال النضال الفردية والجماعية، التي خاضها العمال السود في دلتا المسيسيبي، طيلة نصف قرن من الزمن، من أجل الحصول على أجور عادلة، مقابل العمل الشاق الذي كانوا يقومون به. وتحدد المؤلفة القول ان ذروة النضال التي خاضها السود آنذاك، تمثّلت في الحصول على الجنسية، بكل ما يترتب عليها. والجنسية، ليس للرجال فقط ولكن للنساء أيضا، ولأفراد الأسرة جميعهم. ووجد الحصول على تلك المطالب بشكل كلي، مناخا ملائما مع الحروب، ومختلف أشكال الاضطرابات الاجتماعية التي عرفتها الحقبة.
وما يتم تأكيده في هذا السياق، أن حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود، تصبح مفهومة أكثر على ضوء مسيرة النضال المستمر، وغير المعروف، التي سبقتها، على مختلف الأصعدة المحلية. إن المؤلفة تتوقف طويلًا، أمام الأحداث التي شهدتها منطقة اركانساس في عام 1919. وتشرح حقيقة أن مجموعة من المزارعين التقدميين، قرروا في خريف تلك السنة، ملاحقة مالكي المزارع بحصة عادلة من موسم القطن الذي كان الأفضل في تاريخ الجنوب الأميركي كله. ووجدوا محامين يدافعون عن قضيتهم.
ولكن المطالبة والمواجهة القانونية، انقلبتا إلى أعمال عنف مسلّح، عندما تدخل ثمانية من الرجال البيض، مزوّدين بالبنادق على ظهور خيولهم. وتشير المؤلفة إلى عدة تقارير متنوعة المصادر، تدلّ على أن عدد القتلى من السود في تلك الأحداث، تراوح بين 200 و856 قتيلًا.
ردود الأفعال "البيضاء"، حيال تلك الأحداث الدامية، تراوحت بين القول ان الأمر ليس أعمال شغب ذات طابع عنصري، بل هو تمرّد مبرمج خطط له السود ضد البيض. وبين التأكيد القاطع على أن عصابات من العبيد السود- جرى إنشاؤها من أجل قتل أشخاص من العرق الأبيض. وبالمقابل، وضع العمّال الزراعيون السود، جميع أهداف حركتهم تحت شعار: "إننا نقاتل من أجل حقوقنا".
وفي جميع الحالات، تقوم المؤلفة بنوع من كتابة التاريخ المحلّي، ولكن مع ربطه بالسياق السياسي (الوطني) للولايات المتحدة، وبالاقتصاد العالمي، وكذلك الحربين الكونيتين اللتين شهدهما النصف الأول من القرن العشرين. إنه تأريخ للجنوب الأميركي عامة، وتأريخ لدور ومكانة الأميركيين ذوي الأصول الإفريقية- السود، وكذلك هو تأريخ للعمل ولعلاقة أصحاب المزارع من البيض، مع عمالهم الزراعيين ذوي الأغلبية السوداء.
وفي المحصلة، إنه بحث في الاقتصاد السياسي العنصري. ومحاولة من أجل تحليل آليات عمل منظومة أميركية قامت على قاعدة تفوق البيض. وكذلك كتاب في التاريخ الأميركي خلال القرن العشرين.
الكتاب: الكونغو الأميركية
تأليف: نان اليزابيت وودروف
الناشر: جامعة كارولينا الشمالية - 2012
الصفحات: 288 صفحة
القطع: المتوسط
American Congo
Nan Elizabeth Woodruff
University of North Carolina- 2012
288 .p
