يتخذ كتاب "إستراتيجية التأويل من النصية إلى التفكيكية" لمؤلفه محمد بوعزة، من الانجازات النظرية والمنهجية التي حققتها اللسانيات المعاصرة، سواء على مستوى تقنيات الكتاب والقراءة والتأويل، أو إجراءات التحليل، القضية الأساسية له، مستنداً على الإرث العالمي اللساني، ولا سيما نظريات أمبرتو إيكو وجاك دريدا في التأويل.
ويبدأ بوعزة كتابه برصد الإشكالات النظرية والمفارقات المعرفية التي يطرحها مفهوما التأويل والدلالة، مبينا كيف يتحدد المعنى داخل الإستراتيجية التأويلية، ومحاولاً الانتهاء إلى أن التأويل قد لا يكون له حدود، لأنه مغامرة مفتوحة على المجهول. كما لا ينسى المؤلف محمد بوعزة، التركيز على التحولات التي طرأت على المسار التاريخي لمفهوم الدلالة،.
حيث انتقل من "المقاربة المحاثية" إلى "المقاربة عبر اللسانية"، وهذه الاخيرة تركز على الطابع الدينامي والسياقي للدليل، والذي يتجلى في مفاهيم التعددية والإنتاجية والتناص والاختلاف والدلالية. وأوصل البحث في الدلالة، المؤلف، إلى تناول إشكالية تعدد المعاني، وهي عنده إشكالية ذات طابع مضاعف يمس مستويات متعددة من الفهم والتحليل : فهناك أولاً النص باعتباره ظاهرة ديناميكية تتشكل في شبكة من التعالقات والنصيات والبنيات المتداخلة. ومن ثم هناك القراءة باعتبارها أيضاً ممارسة تأولية، تتخللها شفرات وأنساق متعددة ومختلفة. فبناء الدلالة بهذا المعنى، يتولد من التفاعل بين المستويات المختلفة والمتعالقة للنص وقارئه. وهو الأمر الذي يؤدي إلى ظهور ما يسمى بـ "المعاني المتعددة" .
ويهتم الباحث محمد بوعزة، في الجزء الثاني من الكتاب، بالاجابة عن السؤال المحوري الذي يسيطر على الجزء الثاني من الكتاب، وهو: هل تعددية المعاني محدودة ومتناهية، أم لا متناهية ومفتوحة على أفق واسع لا ينتهي في تولده؟ وبالتالي، هل سيكون رهن التأويل إثبات مدلول نهائي للنص ؟ أم ترك النص يسبح في فراغ لا نهائي ؟
وهنا نجد بوعزة يناقش عدة استراتيجيات للتأويل، ومنها: "التأويل المطابق" الذي يتوخى الكشف عن الدلالة التي أرادها المؤلف، بحيث يطابق بين مقاصد الكاتب وقصدية النص، كما يتناول "التأويل المفارق" الذي ُيسلِّم بتعدد دلالات النص، إذ تفارق مقاصد النص نوايا المؤلف بالضرورة، ذلك لأنه يعزل النص عن سياق المؤلف وعن أصله . وضمن هذا السياق يتوقف المؤلف عند نوعين من التأويل المفارق، وهما: "التأويل المتناهي" و "التأويل اللامتناهي". وينطلق الـتأويل الأول من مسلمة تعددية لدلالات النص. إلا أنه ينظر إلى طبيعة التعددية على أنها تعددية محدودة، تحكمها قوانين التأويل ومعاييره، سواء تلك المتعلقة بالارغامات اللسانية والثقافية للنص، أو المعرفة الموسوعية للقارئ .
وأما التأويل الثاني، فهو ينظر إلى طبيعة تعددية النص على أنها تعددية لا محدودة، وبالتالي فإن رهان التأويل مفتوح على مغامرة لا نهائية، بحيث تنفي هذه الإستراتيجية اللانهائية، كل إستراتيجية لسانية وسيمائية لبناء موضوع التأويل، ولذلك نجد أن زمن التأويل يتحول إلى زمن دائري . وبعد أن يبين الكاتب كيف أن التأويل اللامتناهي يستند إلى تصور دريدا عن النص، بوصفه "آلية تشتيت" تنتج سلسلة من الإيحالات اللامتناهية، على اعتبار أن النص ينفصل عن ذات المتلفظ وسياقه.
وبعد أن يبين كيف أن التأويل الإنتاجي يستند إلى رأي إيكو، في التأكيد على أن التأويل نشاط سيميائي تحكمه قواعد ومعايير، وأنه لا يجوز أن يترك في مجال الحرية المطلقة من دون وجود قواعد عامة تحكم الحياة بأسرها، ينتهي المؤلف إلى تقديم موقفه من قضية التأويل .
ويقوم موقف المؤلف النهائي من التأويل، على التأكيد أن تعددية النص لا تعِّبر عن استحالة التحديد، لأن النص، وإن كان يشتغل ومعه نسق الإيحاء، يعبر عن أشياء في الظاهر، بحيث يمكن الانتهاء إلى أن التعددية لا بد أن تكون مشروطة بالمعايير اللسانية والأجناسية للنص. فالنص عند بوعزيز لا يعبر عن الحقيقة وحسب، بل عن الاحتمال وعن الممكن، من دون أن يعني ذلك أنه يقع في دائرة المستحيل .
الكتاب: إستراتيجية التأويل من النصية إلى التفكيكية
تأليف: محمد بوعزة
الناشر: منشورات الاختلاف دار الأمان الجزائر الرباط 2011
الصفحات: 95 صفحة
القطع: المتوسط
