اشتهر رجل الأعمال والباحث الاقتصادي الأميركي جورج سوروس، بتقديم أفكار جديدة في عالم المال والاقتصاد. وخاصة فيما يتعلّق بالأسواق المالية وأزمة الرأسمالية العالمية، ورفضه الشديد لمقولة "التفوّق الأميركي". وهو يتحدث في كتابه الجديد، عما يسميه "الاضطراب المالي"، كما جاء في عنوانه، ويطرح هذا الموضوع بالتحديد، من خلال آثاره في منطقتين: أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وذلك طبقاً لعنوانه الفرعي.

يقوم سوروس في هذا الكتاب، بتحليل الخيارات الاقتصادية الأساسية التي جرى تبنّيها في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية، التي انطلقت من الولايات المتحدة في خريف عام 2008، وخلال تلك الأزمة وبعدها. وبهذا المعنى يريد الاقتصادي الكبير، الإجابة عما يسميه "الزلزال الاقتصادي" الحقيقي، الذي أدى إلى "فقدان الاستقرار" المالي العالمي.

ويشير المؤلف الى أن الأزمة لم تنته، بل قد تأخذ أبعاداً عالمية، وهو ما يجعل من الضروري والملح أن تقوم الولايات المتحدة بـإعادة بناء منظومتها المصرفية والمالية. كما يرى أن أوروبا تعرف حاليا المرحلة الخطيرة من الأزمة الاقتصادية. وبالمقابل يؤكد جورج سوروس، على أن المطلوب هو ضرورة القيام بعمل دولي ملموس، وذلك أن الخطر عام وشامل، وبالتالي ينبغي أن يكون الرد عليه عاماً وشاملًا، وليس منفرداً.

وبعد أن يشير سوروس إلى سيل الاتهامات الموجهة إليه، بأنه كان وراء انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني البريطاني، بسبب الاستثمارات المتهوّرة التي قام بها، بعشرة مليارات دولار، يؤكد أنه أراد بذلك أن ينقذ الاتحاد النقدي الأوروبي، وليس دفنه. وأما في هذا الكتاب، فإنه يعلن أسفه العميق من كون اليورو، أي العملة الأوروبية الموحّدة، أصبح يعاني: أزمة وجود، بالنسبة لأوروبا.

ولا يتردد سوروس في القول ان إصرار المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، على ضرورة الالتزام الصارم، بالميزانيات المقررة وسط واقع تعاظم ظاهرة البطالة، إنما يهدد بدفع منطقة اليورو كلها، إلى الفخ الجهنمي للاستدانة التي تجلب التضخّم.

وتتم الإشارة إلى أن القسم الأكبر من المقالات التي يحتويها هذا الكتاب، وكان صاحبها قد قدّمها كمساهمات لصحيفة "فايننشال تايمز" أو لـ"مجلة نيويورك تايمز للكتب". وهو يعد هذه المقالات، بمثابة مساهمات "آنية" راهنة لمعالجة الأزمة المالية العالمية ونتائجها، ولكن دون أن تأخذ السلطات بنصائحه، كما يشير. ولكنه وجّه، إلى هذه الدرجة أو تلك، النقاشات الجارية حول الموضوع.

وأراد سوروس، أن يقدّم ما يعتقده "العلاج الناجح" للمشاكل الاقتصادية المطروحة، ولكن الذين يعانون من تلك المشاكل، رفضوه. وهكذا اقترح مثلًا، على الأوروبيين، أن يقوموا بتحويل الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي، إلى خزينة مشتركة للأمم، والتي تساهم في منطقة اليورو.

واقتراح آخر، وجهه للأوروبيين، حول سهولة تأمين البنك المركزي الأوروبي، ضد مخاطر عدم توفّر السيولة وقدرة دفع مشتريات البنوك المركزية لسندات إيطالية واسبانية من البنوك التجارية. ويناقش المؤلف، ضرورة مكافحة الظواهر الاقتصادية المرضية حيثما ظهرت، ذلك أن آثارها تكون معممة على الجميع في أغلب الأحيان. وبناء على مثل هذه النتيجة، يعرب عن قلقه الكبير حيال منطقة اليورو، ذلك على أساس أن ما يجري في أوروبا، يمثل اختبارا حقيقيا لآليات عمل البنوك والأسواق المالية العالمية. والتأكيد على أن نتائج مثل هذا الاختبار، لا تقتصر على تحديد مستقبل أوروبا، ومستقبل العملة الأوروبية الموحدة.

ولكنها تبرز الأخطار الكبيرة التي تحيق بمسار سياسي هو على حافة التدمير. وذلك أن الأخطار التي تهدد القارة القديمة، وخاصة منطقة اليورو، تبلغ درجة لم تبلغها من قبل، منذ قيام المجموعة الأوروبية المشتركة التي تطوّرت إلى الاتحاد الأوروبي.

الرسالة الأساسية في مساهمات هذا الكتاب، تكمن في نوع من الإنذار الذي يوجهه جورج سوروس، مؤكداً فيه أن الخيارات الوطنية والدولية، يمكن أن تكون لها آثار تفجيرية، عبر ظهور سلسلة من الأزمات، التي تنطلق من بؤرة ما، ثم تنتشر في العالم كلّه، كبقعة الزيت.

 

 

 

 

الكتاب: الاضطراب المالي في أوروبا والولايات المتحدة

تأليف: جورج سوروس

الناشر: بوبليك افيرز

نيويوريك 2012

الصفحات: 208 صفحات

القطع: المتوسط

 

 

 

 

Financial turmoil

George Soros

Public Affairs- New York- 2012

208 .p