يوضح كتاب "السلفي اليتيم ..الوجه الفلسطيني للجهاد العالمي والقاعدة، لمؤلفه حازم الامين، أنه يعود نشوء تنظيم القاعدة، وانضواء عدد كبير من الاشخاص فيه، الى نزعة التطرف، التي ابتكرت لنفسها صنوفا من القتل، بدءا من عمليات الخطف، ومرورا بالتصفيات الجسدية التي كانت تتم بوحشية،لا سابق لها في التاريخ الانساني، ووصولا الى العمليات الانتحارية وغيرها . ويقول الامين في إهداء الكتاب :"إلى ياسر أبو هلالة وحسن أبو هنية : صديقان على ضفتي النهر ".

 ويبين المؤلف في ابحاث كتابه أن للقاعدة أصلا فلسطينيا، دون ان يعني ذلك التماس جذور لها في الهوية الفلسطينية، اذ ان نزع هذه الهوية عن مجتمعات الشتات، في سياق احتكاكها بخبرات اجتماعية ودينية أخرى، سهل مهمة السبق الفلسطيني الى "الجهاد العالمي "، كما يقول المؤلف .

ويشير المؤلف الى أن هذه الظاهرة نمت وتضخم حجمها، وبدت عنوانا لمرحلة جديدة، انتصر على ما عداه من العناوين التي تتزاحم، بهدف ان تأخذ موقعا لها في الصراعات والنزاعات العقائدية والعسكرية الدائرة في المنطقة .

ورواج تنظيم القاعدة، يعود برأي الامين، الى اتكائه على "اسلام مغرق في رجعيته، وحداثة مجردة من أي خبرة أو ماض". وذلك طبعا، وكما يوضح المؤلف، في ظل غياب للهوية الوطنية ، وتضخم هذه الهوية الى حد انفجارها، ويفسر الامين ذلك: ."هذا ما سهل على فلسطينيي الشتات، في الاردن وفي الكويت والسعودية ولبنان وسوريا وغزة، مساهمتهم في بلورة الافكار التي أوجدت لاحقا القاعدة، كعقيدة وممارسة".

ويستعرض الامين في هذا السياق، أبرز الاسماء التي شكلت انطلاقة التنظيم، مثل: صالح سرية الذي ارتبط اسمه أوائل السبعينيات، بالجهاد المصري. وعبد الله عزام الذي أطلق ظاهرة الافغان العرب. فيما تصدر كل من محمد المقدسي وأبي أنس الشامي في التسعينات من القرن الماضي، وفي اوائل الالفية الثالثة، الرهان الاقوى بعد مآثرهم الجهادية في العراق. ويبرز في المقلب الغربي أبو قتادة الذي أنشأ في لندن: "طريقا ثالثا الى الجهاد العالمي، يوصل الى المغرب العربي.. اذ راح يصدر الفتاوى من مكان اقامته في لندن، لتعمد جماعاته لاحقا، الى ترجمتها "عنفا دمويا، فاق كل تخيل ". ك

ما يشير الامين الى حقيقة ارتباط اسماء هؤلاء بحقبات" الجهاد" المختلفة، والتي حفل بها الشتات الفلسطيني في الاردن وفي الكويت والمملكة العربية السعودية، الا أن الشتات الفلسطيني في لبنان وسوريا وغزة، تأخر عن اللحاق بركب هذه الموجة، وعن رفدها بما يتيح لها تشكيل كيان خاص بها، اسوة بما هو حاصل في دول الشتات الاخرى.

وقد جاء تبويب فصول الكتاب، وفقا لهذا التسلسل الزمني والاجتماعي والسياسي، وذلك في محاولة رصد للمصادر "الشتاتية" المختلفة، التي غذت ظاهرة "القاعدة "العالمية، ووسمت المراحل بأسماء ووجوه، من دون أن يعني ذلك أنها من العلامات الوحيدة التي وسمت هذه الظاهرة بطابع خاص، فهي أعطت فكرة عن الحقبة الزمنية والاجتماعية والدينية التي مثلتها، كما يقول المؤلف في مقدمة كتابه.

ويرى الامين ان من يتاح له التعرف الى السلفيين الجهاديين، والوقوف على مجرى عيشهم، في الاردن وفي مناطق الشتات الاخرى في لبنان وغزة والعراق، سيجد تماهيا لهويات هؤلاء مع هوية اسلامية ناشئة، عوضت عليهم فقدان هويتهم الاولى، وساعدتهم على التخفف من الفروق التي خبروها في شتاتهم.

فكانت "القاعدة " الوجهة التي يمموا شطرها:"فهذه الأخيرة تذيب الفروق، وتعيدها الى فرق أول بين التوحيد والشرك، وبين المسلم وغير المسلم". ويذكر المؤلف أن القاعدة أو السلفية الجهادية،هي اجتماع بين مصطلحين :

الاول متمثل بالسلفية، وتمثل حضورها في بعض المناطق العربية، بأداء الفروض الايمانية وممارسة الشعائر والطقوس، دون أن تتسرب اليها ممارسات سياسية ذات صلة بمفاهيم الحكم .

واما الثانية، فهي المصلحة "الجهادية"، وقد اقترنت بالاولى، انطلاقا من البيئة الفلسطنية، ونزعت الى تبني العنف المسلح في اعلان أهدافها ومبادئها، فكان انتشارها الجغرافي عابرا شرسا إلى حدود الدول العربية، ويزيد من قوة حضورها ارتباط الجاليات الفلسطينية بالمجتمعات التي وجدوا فيها . ويؤكد الكاتب على أن العمل الجهادي للشتات الفلسطيني في لبنان، اتسم بطبيعة خاصة. فقد تحولت المخيمات الفلسطينية الى تجمع للمقاتلين الجهاديين، حيث كانت وجهة الكثيرين منهم الى العراق.

وتظهر الفيديوات المسجلة عبر المواقع الالكترونية، صور المقاتلين وسيرهم، التي كانت تبث بُعيد استشهادهم في العمليات العسكرية التي كانت دائرة هناك. ويلفت الأمين في هذا السياق، الى أن تسرب السلفية الجهادية الى المخيمات الفلسطينية في لبنان، جاء عبر دعاة خليجيين واخرين لبنانيين، مرتبطين بجمعيات سلفية خليجية .

على هذا النحو يتابع حازم الامين بحثه قارئا ومحللا ومستنتجا، ليؤكد على أسبقية الفلسطينيين وحضورهم المؤسس في تنظيم القاعدة الدولي وفي تبني الافكار الجهادية لهذا التنظيم، والتي تقوم أساسا على التوحيد وتكفير الانظمة والجهاد.

 

 

 

الكتاب: السلفي اليتيم ..الوجه الفلسطيني "للجهاد العالمي والقاعدة "

المؤلف: حازم الامين

الناشر: دار الساقي بيروت ط 1 2011

الصفحات: 213 صفحة

القطع: الكبير