بعد أن قدّم الصحافي والكاتب الإيطالي، كتابه الشهير عن جهاز مافيا "كومورا" الإيطالي، تحت عنوان "كومورا". ها هو يعود من جديد، إلى متابعة النضال، ضد المافيا الإيطالية والفساد المعولم، كما يقول، في كتاب آخر، تحت عنوان: "متابعة المعركة ضد المافيا مستمرة".

ومثلما فعل المؤلف في كتابه الأول الذي أثبت فيه معرفته العميقة بمنظمة مافيا "كومورا" في نابولي، نجده يتابع الحديث في عمله الجديد، عن ما يسميه بـ: "مشاريع المافيا" و"طبيعتها الاقتصادية والعسكرية". ولكن أيضا "العقائدية".

السلاح الأقوى الذي يمتلكه روبرتو سافيانو، كما يقول، هو الكلمات التي يضرب بها في مختلف الاتجاهات، محذرا من اتساع نشاطات منظمات المافيا إلى مختلف البلدان الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، حيث يبدو أن الحكومة الحالية غير مبالية عمليا بهذه المشكلة، عبر تركيز الاهتمام على أشكال الجريمة المخلية، أو على الجريمة المنظمة. ولكن ليس على نشاطات المافيا، كما يكتب.

واللافت هو أن المؤلف يتحدث بوضوح لغة الأرقام، بشأن نشاطات المافيا. ويكشف عن أسماء فاعلين كبار فيها، وعن أسماء ضحاياها كذلك، بحيث يعطي المعلومات التي يقدمها بانطباع خاص، يبدو فيه وكأنه يسترق السمع على ما يجري في اجتماعاتها السرية، أو كأنه عضو في أحد منظمات المافيا الإيطالية. وهكذا نعرف مثلا أن بعض عرابي المافيا لا يترددون في شراء سترات بقيمة عشرة آلاف يورو.

ويؤكد المؤلف أن ظاهرة المافيا في إيطاليا، مهدها، ليست أبدا ذات طابع محلّي. وانه، وإذا كانت منظمة "كومورا" مرتبطة بمدينة نابولي، فهذا لا يمنع واقع أن مدينة ميلانو هي عاصمة العمليات الإجرامية. ويشرح المؤلف في السياق نفسه، مدى التداخل العميق بين نشاطات المافيا، وبين الطبقة السياسية الإيطالية. ويروي كيف أن بعض فئات المافيا تضمن لأحد السياسيين 1000 صوت في الانتخابات، مقابل مبلغ يتراوح بين 20000 و50000 يورو.

ومثل هذه الظواهر تشكل جزءا من ما يسميه المؤلف اقتصاد المافيا، والذي يعتمد على القيام بنشاطات ممنوعة قانونيا، والتي ليس أقلها شيوعا التكفّل بتخزين النفايات النووية وغيرها من النفايات السامة. ومثل هذه الحقيقة يعرفها الجميع في إيطاليا، ولكن الجميع يغضون الطرف عنها.

وأما قيمة الأعمال التي قامت بها المافيا في مجال تخزين النفايات المعنية، فقد بلغت لعام 2009 وحده، ما يعادل مستوى دخل شركة الهاتف الإيطالية، إيطاليا تيليكوم، وما يزيد عن عشرة أضعاف دخل شركة "بينيتون" للثياب. ويحدد المؤلف مبلغ دخل عام 2009، في القطاع المعني بـ20 مليار يورو.

ومهما تكن غرابة هذا الأمر بالنسبة لشباب اليوم الذين يتعاملون مع شبكات الانترنت، فإن المافيا تمارسه وتحرص عليه كنوع من التأكيد على السلطة، وعلى الانتماء إلى تاريخ محدد، وايضا إلى مجموعة من القواعد، كما يكتب المؤلف. ويتم التأكيد في هذا الإطار، على ان قواعد عمل المافيا، لها قوة أكبر من القوانين النافذة في بلدانها. وعلى خلفية ترقب الخطأ أو الخيانة، ولا تتردد المافيا في تطبيق قواعدها بحذافيرها.

ويعود المؤلف، مرات عدة، في هذا الكتاب، إلى الحديث عن القاضي الإيطالي الشهير جيوفاني فالكوني، الذي جعل من محاربة المافيا هدفا جوهريا لعمله، إلى أن تم قتله على يدها، بتفجير السيارة التي كان يستقلّها، ثم قامت بعد ذلك بتشويه سمعته.

ويبدو أن المؤلف يذكّر بالوقت ذاته، بالحياة التي يعيشها هو نفسه: "وسيف تهديد المافيا" مائل دائما فوق رأسه. ولا يتردد في القول ان موضوع المافيا فيه بعض مظاهر التراجيديا اليونانية، خاصة بما تبديه من مواطن ضعف البشر، ولجوئهم إلى القتل بصورة منهجية مدروسة.

 

 

الكتاب: المعركة مستمرة ضد المافيا

تأليف: روبرتو سافيانو

الناشر: روبير لافون- باريس- 2012

الصفحات: 196 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

Le combat continue

Roberto Saviano

Robert Laffon - Paris- 2012

196 .p