سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى تحقيق مشروع امبريالي يؤمّن هيمنتها على العالم. وقامت من أجل ذلك، بخوض العديد من الحروب في أماكن بعيدة عن أراضيها، إذ كانت منها أربعة حروب في القارة الآسيوية. وهذه الحروب بالتحديد، هي موضوع كتاب صـــدر العام الحالي، بالتشارك بين الأستاذ الجامعي الأميركي مايكل هـ. هونت، والصحافي والمراسل الحربـــي لسنــــوات ستيفن ي. لوفيــن. وهـــو يحمل عنــــوان: "قوس امبراطوريـــة".
وكانت غاية تلك الحروب التي امتدت على مدى 65 سنة، انطلاقاً من الحرب ضد الفلبين، وانتهاءً بالحرب الفيتنامية، ومروراً بالحربين ضد اليابان وكوريا. وبهذا المعنى يقتصر الكتاب على التأريخ للحروب الأميركية التي انتهت، وليس التي لا تزال دائرة اليوم. "قوس الامبراطورية" الذي تمثله الدول المذكــورة، يقدّم في الوقت نفسه، كما يشرح المؤلفان، نوعاً من الخط البياني الصاعد بداية بالنسبة للقوة الأميركية، ثم الهابط مع الهزيمة النهائية، والتي كانت مهينة في الحالة الفيتنامية.
ومن الأفكار الأساسية التي تتكرر في الكتاب، تأكيد المؤلفين على أن تلك الحروب تركت آثارها العميقة في الذاكرة الجماعية للشعوب المعنية بها وفي ثقافاتها. كما كانت باستمرار، من المعطيات التي أخذتها الإدارات الأميركية المتعاقبة بالحسبان، فيما يخص توجهاتها السياسية ضمن منطقة شرق آسيا. ويقدّم المؤلفان توصيفا دقيقا وموثّقا للكيفية التي تواكب فيها المشروع الامبريالي الأميركي، مع الحروب الأميركية في الجزء الشرقي من آسيا.
ويتم التركيز في سياق البحث عن أسباب الحروب التي شنّتها واشنطن في آسيا وعن أسبابها، على شرح نقاط القوة ونقاط الضعف التي واجهتها القوة الأميركية، والتأكيد في المحصلة على أن الولايات المتحدة، وحتى في اللحظات التي كانت فيها قوتها بأعلى مستوى لها، عرفت مجموعة من الحقب الحقيقية في مستوى الحدّ من طموحاتها الامبريالية، في مد سيطرتها على العالم.
ومجمل الأفكار الواردة في هذا الكتاب تنضوي عملياً في إطار نظرية جامعة، مفادها أن الحروب الأربعة التي خاضتها الولايات المتحدة في آسيا، كانت بمثابة مراحل محددة ومدروسة، استهدفت واشنطن من ورائها تثبت هيمنتها في تلك المنطقة من العالم. ويشير المؤلفان بأشكال متعددة، الى أن الأفكار المقدمة هي نتاج خبرة سنوات طويلة في المنطقة، خلال سنوات طويلة في المنطقة، أثناء فترات دقيقة، في الحرب العالمية الثانية والحرب الأهلية الصينية.
وعلى الرغم من التأكيد على التصميم الكبير الذي قام عليه المشروع الامبراطوري الأميركي، فإن المؤلفين يؤكدان أيضا منذ مقدمة الكتاب، أن استخدام تعبير الامبراطوريـة يثير القلق لدى الأميركيين، عند نقاش دورهـــم في العالــــم. ولكن هذا القلق لا ينفـــي واقع الدلالــــة الدقيقة للتعبير عن المشروع الأميركي.
والإشارة الى أن تعبير الامبراطورية ليس له دلالة سلبية في الأدبيات التاريخية. ولكنه تعبير جيّد الدلالة، إذا تمّ استخدامه بطريقة واضحة وتتماشى مع الواقع. والمهم هو أن يكون التحديد له أسسه التاريخية، الأمر الذي يتطابق تماما مع الخلفية التي قامت عليها، الحروب الأميركية المذكورة في آسيا.
وبهذا ليس هناك عليها الحروب الأميركية المذكورة في آسيا. وبالتالي ليس هناك أي محظور، من وجهة نظر المؤلفين، في مناقشة هذا الموضوع، بسبب ما يثيره من حساسية أو قلق لدى المواطنين الأميركيين.
وما يؤكده المؤلفان بأشكال مختلفة، هو أن الحرب الفيتنامية هي الأكثر رسوخاً في الذاكرة الأميركية، بما في ذلك لدى جيل الشباب. ولكن يبقى المصدر الأساسي لمثل هذا الرسوخ ليس معرفياً، بالمعنى الأكاديمي للكلمة، وما يعتقد الأميركيون أنهم يعرفونه عن الحرب الفيتنامية، يأتي من الأفلام السينمائية الهوليودية التي تعرّضت لتلك الحرب، وليس من كتب التاريخ.
ونتائج تلك الرهانات الاستراتيجيـــة والإيديولوجيــــة أيضاً، كما يتم تحديد القـــول، ظهرت أولًا في كوري، ثم في فيتنام. وبعد 65 سنة من الحروب الأميركية في آسيا، قرر الرئيس الأميركي الأسبق ريشارد نيكسون، التخلّي عن سياسة الهيمنة في منطقة شرق آسيا. وهذا مع الإشارة الى أن الأميركيين، قادة ومواطنين، رفضوا بأغلبيتهم الساحقة، المفهوم القائل ان بلادهم يمكن أن تتصرف كامبراطورية.
ويجري التأكيد في الكتاب على أن أميركا بلد استثنائي، وهي بالتالي لا يمكن أن تكون امبراطورية تسعى إلى الهيمنة. ولكن بالأحرى كل ما تفعله على الصعيد الدولي هو من أجل خير الإنسانية جمعاء. ولكن الحقائق التي تدل عليها الحروب الأميركية في آسيا تقول غير ذلك، وهذا ما يحاول مؤلفا الكتاب تقديم البراهين والحجج الموثقة عليه.
ومن الواضح أن أحد الأهداف الأساسية التي يرمي إليها مؤلفا الكتاب، يتمثل في دفع القراء إلى التعرّف إلى الميل الامبريالي الذي عرفه تاريخ الولايات المتحدة، خلال مسيرته كلها، وكانت الحروب في آسيا تعبيرا بليغا عن ذلك. ويشير المؤلف في الصفحات الأخيرة للكتاب، إلى أن الميل عينه، ستكون له نتائجه في النزاعات التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط اليوم.
وجدير بالذكر، أنه من ميزات هذا الكتاب، هو أنه يساعد على فهم أفضل للأسباب الكامنة وراء صعود الصين، وكذلك فهم أفضل لمكانة آسيا، وخاصة شرقها، في عالم اليوم.
الكتاب: قوس امبراطورية.. حروب أميركا في آسيا، من الفلبين إلى فيتنام
تأليف: مايكل هـ. هونت، ستيفن ي. لوفين
الناشر: جامعة كارولينا الشمالية - 2012
الصفحات: 360 صفحة
القطع: المتوسط
Arc of empire
Michael H. Hunt, Steven I. Levine
University of North Carolina- 2012
360 .p
