يركز كتاب " التحليل التاريخي للبنية السياسية للأحزاب العراقية 1946-1958 "، لمؤلفته خالدة الجبوري، على تحليل طبيعة ومضمون الأوضاع الاقتصادية في العراق، خلال فترة ما بين الحربين العالميتين. كما يتطرق إلى منشأ الحياة الحزبية وظهور الجمعيات السياسية السرية والعلنية.
وتوضح الباحثة خالدة الجبوري، انه، ونظراً إلى أن منهج أي حزب يعكس السياسية التي يسلكها على كافة الأصعدة، فقد ركزت على تحليل المواد الخاصة بالمسألة الاقتصادية في مناهج الأحزاب واستراتيجيتها. فبالنسبة لحزب "الاستقلال " الذي أسسه محمد مهدي كبة، تبين أن مناهجه النظرية أكدت على التوزيع العادل للأراضي، وتحديد الحد الأعلى للملكية، فضلاً عن تأكيد ضرورة تشريع قوانين تحمي الفلاحين من التسلط الإقطاعي .
وأما عن السياسة الاقتصادية التي دعا إليها الحزب الوطني الديمقراطي، فتوضح خالدة الجبوري، انها عكست واقعا كونه من أحزاب يسار الوسط ويضم عددا كبيرا من أبناء الطبقة البرجوازية المثقفة، وبذا ففلسفاته بهذا الخصوص تقوم على حث المستثمرين الوطنين على استثمار أموالهم بمشاريع صناعية كبرى، ناهيك عن تشجيع الدولة على مراقبة وتوجيه المصارف والأسواق المالية.
ومن ثم تأسيس المصارف الوطنية . وتشير المؤلفة غلى انه لا ينسى الحزب المذكور، التأكيد على إلغاء القوانين والتشريعات الزراعية المعرقلة لنمو النشاط الزراعي، وزيادة حصة الفلاح من الإنتاج .
وتدلل خالدة الجبوري، على حقيقة انه ذهبت الأحزاب اليسارية والشيوعية، ولا سيما"الاتحاد الوطني" و" الشعب"، إلى التأكيد على ضرورة أن تلتزم الدولة بحل مشكلة الأراضي وتوزيع الأراضي الأميرية على الفلاحين وأفراد العشائر الرُحل، بالإضافة إلى حماية المشاريع المحلية من المزاحمة الأجنبية، وكذلك ضرورة تشجيع البنوك الحكومية لضمان سيطرة الدولة على مالية البلاد.
وأما حقوق العمال وفرض الضرائب المتصاعدة على الدخل، فكانت من الأمور الاقتصادية الأساسية في مناهج تلك الأحزاب .
وتتوقف المؤلفة مطولاً عند انعكاس الأوضاع الاجتماعية والسياسية على التوجهات الاقتصادية للأحزاب .
فإذا أخذنا الحزب الديمقراطي الكردي العراقي مثالاً لوجدنا أن مناهجه النظرية لم تعالج قضايا الفلاحين والإصلاح الزراعي بسبب الاتجاه العشائري في قيادته، والتي تميل إلى الاهتمام بالمُلاك وشيوخ العشائر وبعض الإقطاعيين، وهو ما جعل العقائديين في الحزب، يضطرون إلى تقديم بعض التنازلات في تصوراتهم للمسألة الاقتصادية.
وتؤكد المؤلفة انه ينفرد حزب البعث العربي الاشتراكي، في أنه استطاع أن يربط بين الصراع القومي والصراع الطبقي، من خلال تأكيد زعيمه ميشيل عفلق أن "اشتراكيته " ليست أكثر من نظام اقتصادي مرن ومتكيف مع حاجات الأمة العربية، بحيث تتحول الاشتراكية الى أداة خادمة للقومية العربية، ووسيلة اقتصادية عادلة، تحول دون الاحقاد والنزاعات الداخلية، ودون استغلال طبقة لأخرى . وتتوقف الجبوري عند مواقف وردود أفعال الأحزاب العراقية، إزاء قضية " مجلس الإعمار ".
وأما الأحزاب السياسية، ولا سيما الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والجبهة الشعبية، فقد عدت ذلك المجلس مؤسسة تابعة لنظام فاسد، وهاجمته بحجة أن العراق بحاجة للتوسع في الإنتاج الزراعي أكثر من " التعجيل بمرحلة التصنيع "، وأن مخططاته كانت بعيدة عن الواقع، الأمر الذي جعله لا يستطيع تنفيذ سوى 50 بالمائة من مخططاته، ناهيك عن تدخل الإنجليز في برامجه وطريقة اختياره للشركات الكبرى .
ولا تتردد خالدة الجبوري، في التأكيد على حقيقة أنه قد دفعت كل تلك المقدمات، بثورة تموز عام 1958 إلى إلغاء ذلك المجلس في عام 1959 م. ومن ثم العمل على التخطيط بطريقة مختلفة، تحاول فيها أن تتلافى العيوب التي وجدتها في ذلك المجلس .
ويمثل الكتاب، في فصول بحثه وموضوعاته ورؤاه، جولة دراسية منهجية موسعة، تتعمق في تركيبة وبنية الأحزاب السياسية في العراق، وسياستها الاقتصادية، وأيضا المشاغل الاقتصادية، التي اهتمت بها تلك الأحزاب، والدور الاقتصادي الذي لعبته في توجيه الحكومات نحو سياسات اقتصادية معنية.
الكتاب: التحليل التاريخي للبنية السياسية للأحزاب العراقية
تأليف: خالدة الجبوري
الناشر: النايا للدراسات والنشر والتوزيع ومحاكاة للدراسات والنشر والتوزيع دمشق 2012
الصفحات: 280 صفحة
القطع: الكبير
