يرى بيير بوهلر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعات باريس، أن أحداثا عديدة شهدها العالم خلال الفترة الأخيرة، وتؤدي كلها إلى فقدان بوصلة التوجه الواضح، وتجعل الرؤية السياسية والإستراتيجية مشوّشة. إنها أحداث تبدو دون أية رابطة فيما بينها، مثل: الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية المتكررة، انطلاق الربيع العربي، تعاظم ظاهرة الإرهاب على المستوى العالمي قضية "ويكيليكس". وهذه الأحداث كلها وكثير غيرها، تعاقب حسب إيقاع متسارع، وبقوة لم تكن معروفة من قبل، باستثناء فترات الحروب الكبرى.
وفي كتابه الذي يحمل عنوان "القوة في القرن الحادي والعشرين"، يعالج المؤلف هذه الأحداث كلها، من منظور أنها تقوم كلها على خلفية القوة والبحث عنها. ذلك على أساس أن القوة هي التي تحدد اليوم، كما حددت في الأمس القريب والبعيد، سمات المنظومة العالمية، وكانت إلى حد بعيد، المحرّك الأساسي لتاريخ العالم.يسأل المؤلف بداية: هل تعلن الأحداث المشار إليها، قيام نظام عالمي جديد؟
وما المعاني العميقة الكامنة خلفها؟ إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، تشكّل موضوع الفصول العشرة التي يتألف منها الكتاب. وذلك ابتداء من الفصل الأول الذي يقدّم فيه المؤلف: "تاريخا مختصرا للقوة"، وحتى الفصل الأخير: "أميركا والتطلّع إلى القوة".
ويبحث المؤلف، في الفصول الأربعة، العلاقة بين القوة والدولة والقوة والقانون والقوة والجغرافيا والقوة والسكان والقوة والمال. وتتمثل أهم المحاور التي يتعرض لها في البحث، عن مسار القوة وذهنية الأقوى وأهمية العوامل الديموغرافية والاقتصادية، في اكتساب مفاتيح القوة.
وتحمل الفصول الأخرى من الكتاب، عناوين: "توحيد مجال القوة: عصر الشبكات" و"صعود القوة في آسيا" و"أوروبا والقوة كمعيار". وتتمثل إحدى الأفكار الأساسية التي تتكرر في التحليلات المقدّمة، باعتبار أن عصر المعلومات، مرادفاً لتضاؤل قوة احتكار القوة التي كانت تتجمّع قبل ذلك، في أيدي الدول. وهذا هو التجديد الأهم الذي حملته ثورة المعلوماتية وثمراتها الرقمية.
ويتم في هذا الإطار، طرح عدد من الأسئلة، حيال القوة في المستقبل. فهل ستكون للولايات المتحدة ام الصين ام الأسواق المالية ام شبكات الانترنت؟ وأين توجد القوة اليوم؟
وفي كل الحالات، ما يتم تأكيده، هو أن أولئك الذين امتلكوا القوة في الأمس القريب، بصدد فقدانها، والتأكيد على هذا الأساس أن إرادة القوة، تبقى المحدد الأساسي لتاريخ البشر، وهذا على الرغم من أن أشكالها هي في حالة تغيّر دائم. وليس التجديد على صعيد اختراع الآلات، ولكن أيضا، عبر امتلاك قدرة خلاّقة تظهر على جميع الجبهات، وفي مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والعسكرية.
إن روما انتصرت على اثينا عبر اختراعها لنمط من الإدارة، جعل منها إمبراطورية مستدامة. وصيغة الدولة-الأمّة التي بدأت بالظهور في أوروبا خلال العصور الوسطى، وعرفت بما أنجزته من تجديد أن تنهي الإمبراطوريات فيها في بدايات القرن العشرين. وكان نابليون بونابرت، قد استطاع السيطرة على أوروبا، عبر تحديث السياسة.
وهذه الوقائع كلها، يشرحها المؤلف بإسهاب، في الصفحات التي تحمل عنوان: "تاريخ مختصر للقوة".وتلعب الجغرافيا دورا كبيرا في تحديد إمكانات امتلاك القوة، من خلال ما تكتنزه الأرض من مواد أولية أو من خلال الموقع الاستراتيجي. وهكذا لم تكن الجغرافيا بعيدة أبدا عن صناعة التاريخ.
ويضاف إلى الجغرافيا دور العامل السكاني، الديموغرافي. وذلك على أساس أن البشر يشكّلون الثروة الأكبر قيمة. وتزداد قيمة هذه الثروة إذا امتلك المعنيون بها، المال الذي يمثل في عالم اليوم، أحد مفاتيح القوة. وأما بالنسبة للفترة المعاصرة، فيحدد مؤلف هذا الكتاب، عدة عوامل مستجدة للقوة. وهي قد تصبّ في مصلحة قوى غير تقليدية، عرفها التاريخ.
والعامل الأول هو انخفاض كلفة اكتساب القوة النووية، وهو ما قد يترتب عليه نتائج لا يمكن تقديرها بدقة. وعامل آخر يتمثل بشبكات الثورة الرقمية، والتي جعلت نشاطات عدة، سياسية ومالية وفكرية واجتماعية، خارج إطار رقابة الدول.
ومن عوامل القوة التي يؤكد عليها المؤلف، بالنسبة للقرن الحادي والعشرين، هناك المنافسة العلمية. وهكذا مثلاً تزيد الصين منذ عشر سنوات حتى اليوم، ميزانيات البحث العلمي، بنسبة 23 بالمائة، سنويا.
الكتاب: القوة في القرن الحادي والعشرين
تأليف: بيير بوهلر
الناشر: المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي باريس 2011
الصفحات: 508 صفحات
القطع: المتوسط
La puissance au XXIe siècle
Pierre Buhler
CNRS - Paris 2011
508 .p
