يؤكد كتاب"إغراء السلطة المطلقة"، لمؤلفته بسمة عبد العزيز، على أن الجانب التاريخي في كل الحضارات، لعله يكشف عن حقيقة هامة، مفادها أن ظاهرة العنف، ارتبطت بأجهزة الأمن والشرطة.
وشهدت صعوداً وهبوطاً في علاقتها بالفرد، طبقاً لعدد من العوامل، منها: طبيعة الحكم والاستقرار السياسي في البلاد، مستوى التعليم والتقدم للأفراد، تقنية وأساليب الضبط والربط، ممارسة العنف مع الأفراد، الإيذاء الجسدي والمعنوي، قانون أو أعراف العقوبات والحبس، التطور الاجتماعي والحضاري للشعوب. وتشير المؤلفة إلى أنه، ومن حيث المبدأ، لا يمكن إقرار فكرة أن الشرطة للقمع وحسب.
ولكن تعقد الحياة الاجتماعية، مع ظهور أنواع جديدة من الجرائم، وما يظهر من صراعات، مثل : الإرهاب والطائفية، أمر يبرز أنواعاً جديدة من وسائل الضغط للحصول على الاعترافات. وهناك علاقة مباشرة بين العدل وعلاقة أجهزة الشرط بالفرد، فكلما زاد العدل بين الناس، مع تطبيق القوانين الملزمة للجميع، كانت العلاقة أفضل.
وبالعكس، إذ كلما زاد العنف تقل أساليب تطبيق العدل والقوانين. فعلى مستوى العالم، ومع بدايات القرن الـ21، وشيوع الخوف من الإرهاب، تم احتجاز المئات، من دون محاكمة، وفى سجون شهيرة، صمم منها سجن "غوانتنامو". وهو ما يبرر بعض الجرائم الغامضة، وبالتالي ظهور نمط من العنف، تمارسه الشرطة، خارج المألوف.
وتلمح المؤلفة إلى أنه يمكن التوقف أمام النظرة التاريخية لأجهزة الأمن، حيث لم يخل مجتمع، على مر العصور، من وجود جهاز أو كيان إداري ما، مهمته الأولى الحفاظ على الأمن، وحماية الأفراد والممتلكات. ومنذ الأسرة الأولى في حكم مصر القديمة، كان يوجد هذا الكيان. ومع حكم الرومان واحتلال مصر، كان الرجال الموكل إليهم حفظ الأمن، متطوعين وبلا أجر. وربما هي محاولة من أفراد الشعب للحفاظ على أمنهم، بعد أن أهمله الرومان.
ولكن مع مصر الحديثة، وبتجاوز القرون، اختفى التطوع في عهد الخديوي إسماعيل، في القرن التاسع عشر الميلادي. وبرز تشكل الهيكل الأمني برتب ورواتب، بعيداً عن ميزانية الدولة، بل من أموال أصحاب الأملاك. كما أصبح لرجل الأمن مظهره الخاص، في الزي والعلامات التي تميز مراتبهم، مثل الأشرطة أو النجوم والقبعات. وسمح لهم بحمل العصي، في أشكال مختلفة، و"الكرابيج" أو الأسواط.
وفيما بعد، سمح بحمل الأسلحة النارية. والطريف أن الأسماء التي يلقب بها الشرطي، اختلفت من عهد إلى آخر. ففي عهد مصر القديمة (عهد زوسر)، سمي رئيس الشرطة : "مرشد الأرض". وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب، سمي رجال الشرطة : "العسس". وهي تعني لغوياً: (الذين يطوفون ليلاً للكشف عن أهل الريبة). وكانت مهمة رجال الشرطة، ملاحقة الفاسدين.
وتستعرض المؤلفة واقع الحال، بعد تلك الفترة، ففي العصر البيزنطي، كان اللقب هو "الحامي"، وكانت مهمته حماية الفقراء من جور أصحاب الأملاك، وهذا بينما انه، وأثناء حكم الدولة العثمانية، أنشئ جهاز سري، مقابل الجهاز المعلن، وسمي "البصاصين".
وأما كلمة "بوليس" فهي يونانية الأصل، وتعني "المدينة"، بكل ما تحمله من معنى حضاري وما تحتاجه من تنظيم وأمن. وتشير عبد العزيز إلى أن مصطلح "بوليس"، استخدم في مصر، مع الاحتلال البريطاني، ومنذ سنوات بعيدة، أصبح المصطلح: "الشرطة".
وربما باسم أول جهاز شرطي في البدايات الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان، بعد الفتح الإسلامي. كما أنه في تاريخ مصر الحديثة، لم تكن للشرطة مهمة محددة بالقرى، فمهماتها بالمدن فقط. وكانت القرى تختار الرجال من أهلها للقيام بمهمة الأمن باسم "الخفر". ومع الخديوي إسماعيل، تقرر دمج الخفر إلى مهام الدولة، وصدر قانون "الخفر" في عام 1870م. ومن قبل، كان محمد علي، أنشأ ديوان الوالي في عام 1805م، حتى قرر الخديوي سعيد، رفعها إلى درجة "نظارة": الوزارة، حالياً.
ومع كل مرحلة، كان دور الشرطة يتناسب مع الحالة السياسة والاحتياج العملي للأمن، اما على جانبه الاجتماعي أو الجانب السياسي. وتلفت المؤلفة إلى توسع كبير حدث في عهد الرئيس أنور السادات.
وهو ما يفسر بعض مظاهر العنف، إلا أنه لا يرقى إلى مصطلح "العنف المنظم". وفي عام 1981م بدأت مرحلة جديدة في علاقة الشرطة بالأفراد، إذ اغتيل خلاله أنور السادات، وجاء النظام الجديد، ليخرج من تم حبسهم سياسياً(حوالي ثلاثة آلاف رجل من رجالات الفكر والسياسة)، ومن ثم جرى البحث عن أصدقاء جدد للنظام الجديد. وتشير الكاتبة إلى أن تغيير الشعار الخاص بالشرطة، من: الشرطة في خدمة الشعب"، إلى:
"الشرطة والشعب في خدمة الوطن"، أمر يعني تحولاً جذرياً في توجه الشرطة إلى خدمة النظام وحسب. وهكذا استخدمت مصطلح "العنف المنهجي" للتعبير عن تطور العنف، خصوصاً خلال الفترة، من 1991م وحتى العام 2009م (وهي سنة نهاية البحث).
وتشير المؤلفة إلى أن التطور الكمي للعنف داخل أقسام الشرطة، تمثل في زيادة مطردة في العدد الرسمي المعلن، وهو أقل من العدد الحقيقي.. كما بدأ التطور الكيفي للعنف، بأن خرج العنف من داخل أقسام الشرطة إلى الأماكن التي يتم اقتحامها لأي سبب.
وتستشهد المؤلفة بواقعة الاعتداء على أحد المتهمين بأحد الأقسام، وقد تناقلته شبكة الانترنت بعد أن كان صور بكاميرا "موبايل"، فصدر قرار وزاري بمنع الموبايلات في الأقسام مع المتهمين والمحامين، وهو ما أصدرت المحكمة، حكماً بوقفه لأنه مخالف للدستور.
وهكذا تواصل الكتاب أو البحث مع ظاهرة العنف تاريخياً وواقعياً، وان استشهدت الباحثة بظواهر عالمية، إلا أنها قدمت بحثاً تطبيقياً حول الموضوع بمصر تحديداً.
الكتاب: إغراء السلطة المطلقة
تأليف: بسمة عبد العزيز
الناشر: هيئة الكتاب المصرية2012 (مكتبة الأسرة)
الصفحات: 128 صفحة
القطع: المتوسط
