سافر ستيف فينارو، الصحافي في جريدة ال«واشنطن بوست»، إلى العراق، برفقة مجموعة من عناصر الأمن العاملين في القطاع الخاص الأميركي للخدمات الأمنية. وعن تجربته في العراق، قدّم كتابا تحت عنوان "قواعد عمل المرتزقة"، وكانت طبعته الأولى عام 2010.
ويطلق المؤلف على المهمات التي يقوم بها هؤلاء المرتزقة، تسمية "الحرب الموازية" في العراق، حيث كانوا يتحركون بالآلاف، في مختلف أنحاء البلاد، بعيدا عن أي عقاب لتنفيذ الأعمال التي بدا أن الجيش الأميركي النظامي، لم يكن قادرا على تأديتها. أو ربما لم يكن يرغب في تأديتها. وأما القانون الوحيد الذي كان يحكم تصرفهم، فلم يكن سوى قانون الأقوى.
وما يؤكده المؤلف هو أن عدد هؤلاء في العراق، بلغ عدة عشرات الآلاف، وكانوا يعملون، وربما لا يزالون، لحساب شركات، تحمل أسماء عديدة، مثل : "بلاك ووتر" وتريبل كانوبي". وأما وسائل تنقلهم، فتتمثل بأغلب الحالات، في سيارات رباعية الدفع، متعددة الألوان ومجهّزة بأسلحة رشاشة وبقنابل عنقودية، بل وفي أحيان كثيرة، بصواريخ محمولة يتم إطلاقها من مدافع صغيرة، تحمل على الكتف.
ويقدم ستيف فينارو، توصيفا لعدة نماذج من هؤلاء المرتزقة، مثل جون كوني الجندي الأميركي السابق في سلاح المظلّات، الذي سبق وخدم في العراق. ولكنه لا يتردد في القول عن تجربته كمرتزق، انه أخطأ خطأ كبيرا في العودة إلى هذه البلاد، ولكنه لم أدرك ذلك متأخرا. ومثال آخر هو بول روبن الذي يعمل كمرتزق في الحفل الطبي، ولكنه دون أن يمتلك أية شهادة علمية، من أية جامعة يعترف بها.
ويشرح المؤلف، أنه في الأيام الأولى للحرب الأميركية الأخيرة في العراق، ابتداء من ربيع عام 2003، ظهر أن عدد القوات الأميركية العسكرية النظامية، ليس كافيا للقيام بجميع المهمات المطلوبة في ظل حالة الفوضى التي أعقبت الإطاحة بصدام حسين وحلّ الجيش العراقي.
واجه الجيش الأميركي في العراق، مقاومة كبيرة ثم تردّت الأوضاع الأمنية أكثر فأكثر. وفي مواجهة مثل تلك الحالة ، جرى تشكيل "جيش موازٍ على هامش الحرب". ولكن ذلك الجيش من المرتزقة، بقي في الظل، بحيث انه لم يكن مرئيا. وتخصص في القيام بمهمات لم يكن لدى جنود المارينز هامشا عدديا، يسمح لهم بالقيام بها.
وما يميّز المرتزقة عن الجيش النظامي، هو أنهم يرتدون زيا موحدا، مختلفا عن الجنود الأميركيين، وسترات مضادة للرصاص، وفي أحيان كثيرة، يضعون شارات تدل على الشركة التي يعملون لحسابها. وهم الذين قاموا بحماية جميع السفراء الأميركيين في العراق، وكذلك جنرالات الجيش الأميركي الذين كانوا يعيشون في المنطقة الخضراء ببغداد. ووسيلة تخاطبهم فيما بينهم كانت تقتصر دائما تقريبا على استخدام أجهزة الاتصال وبأسماء متفق عليها، من دون الاهتمام بمعرفة أسمائهم الحقيقية.
قتل المرتزقة الكثير من العراقيين، وقتل العراقيون عددا لا يستهان به من المرتزقة. وهذا ما يؤكده مؤلف الكتاب، مشيرا إلى أولئك الرجال الذين انضووا في إطار السياسة الأميركية العامة في العراق، خلال سنوات بعد حرب 2003. ويرى المؤلف أن إدارة جورج وولكر بوش، أرادت أن تخفف كلفة الحرب، بالاعتماد على مرتزقة، خاصة وأن عدد الجنود الأميركيين، لم يتجاوز أبدا في العراق، خلال الحرب الأخيرة، ثلث عدد القوات التي شاركت فيها الولايات المتحدة، أثناء حرب الخليج الأولى في عام 1991م.
ويبقى القسم الأكبر من الكتاب، مكرّسا للحديث عن الأخطار والوقائع الرهيبة التي عرفها عدد كبير من المرتزقة، خلال تنفيذ مهماتهم في العراق. وهكذا يذكر المؤلف، تلك الحادثة التي كان شاهدا مباشرا عليها، عندما قُتل أو اختفى 13 من أصل 20 مرتزقا، حيث كانت بعض الجثث مهمّشة، إلى حد صعوبة التعرّف على أصحابها. وليست قليلة الحالات التي كانت فيها الجثث، تملأ الطرق امام العربات.
ويؤكد ستيف فينارو، أن اللغز الأكبر الذي لم يستطع الوصول إلى حل له، في أحيان كثيرة، وبخصوص أولئك المرتزقة، يكمن في معرفة الأسباب التي دفعتهم للمجيء إلى العراق. فما الذي الدافع لجندي سابق في وحدات المظلات الأميركية، ومن أحداث النخبة تحديدا، لترك حياة الرفاهية، بكل ما فيها، ويبتعد عن شمس جامعة فلوريدا اللطيفة، كي يذهب إلى جحيم الحرب العراقية؟ وهذه المرة لا يعود كجندي، في وحدة عسكرية نظامية، ولكن كمرتزق.
والسبب الرئيسي "المنطقي"، لولوج مسالك، مثل تلك المغامرة الخطيرة، وربما القاتلة، يحدده المؤلف، بكون أن المرتزق يتقاضى 7000 دولار في الشهر، مقابل معدل دخل في أميركا، يعادل أقل من 2000 دولار.
الكتاب: قواعد عمل المرتزقة
تأليف: ستيف فينارو
الناشر: دا كابو برس نيويورك 2011
الصفحات: 288 صفحة
القطع: المتوسط
Big boy rules
Steve Fainaru
Da Capo Press
New York 2011
288 .p
