غي دو موباسان، أحد أشهر الأدباء الفرنسيين في تاريخ فرنسا الحديث. وإذا كان قد كُتب الكثير عن أعماله وعن سيرة حياته، فإن الكاتبة الإنجليزية مارلو جونستون، تقدم «سيرة حياة موباسان»، بأكمل صورة ممكنة منذ ولادته وطفولته في بلدة «باسّي»، حيث توفي وهو في الثالثة والأربعين من العمر.

وتجدر الإشارة بداية الى أن عدد صفحات هذه السيرة يزيد على الـ 1300 صفحة. وكانت المؤلفة قد كرّست أبحاثها، كما تشير، منذ سنوات التسعينات من القرن الماضي، للتنقيب في سيرة حياة دو موباسان، وفي مسار حياته.

وتشير أيضا الى أن اهتمامها بهذا الكاتب، جاء متأخرا، إذ عادت عندما كانت في الثامنة والأربعين، من عمرها، إلى الدراسة الجامعية، للتعمّق في أعامل من تسميهم بـ«الكتّاب الواقعيين». وتؤكد أن ما دفعها نحو موباسان بالتحديد هو بساطة أسلوبه وجلاء الملاحظة لديه وتعاطفه مع الجنس الإنساني.

ولكن هذه الصفات لم تمنع المؤلفة من القول ان موباسان ليس مفهوما بشكل جيد، إذ هناك الكثير من التناقضات فيما قيل عنه، والكثير من الأساطير التي جرى نسجها حول شخصيته. ومن هنا بالتحديد، قررت أن تقوم بدور المخبر السري، الساعي إلى جمع أكبر قدر من المعلومات، عن موباسان.

وتقول في هذا الخصوص: «بمقدار ما تعمّقت في البحث، كنت أجد المزيد». وأما المنجم الأكبر للمعلومات فقد وجدته في مراسلاته التي وصل عددها إلى الـ800 رسالة. وبهذا المعنى أرادت المؤلفة أن تبحث عن المعلومات حوله، من المصدر، أي من موباسان نفسه.

وكانت حصيلة البحث، هي هذا الكتاب الضخم. وتقول المؤلفة: «سيجد البعض أن هناك مبالغة في السرد والتفاصيل، وما عليهم سوى أن يستفيدوا من عملي كي يقدموا أعمالا أقصر». وموباسان من مواليد عام 1850، وتوفي عام 1893، أي عندما كان في الثالثة والأربعين من عمره، بعد أن قدّم حوالي 300 أقصوصة، وسبع روايات، وعددا من حكايات السفر ومن اليوميات.

وتبين المؤلفة ان موباسان كان يمتلك ذكاءً حادا وعميقا ومنظما. وهذا على رغم التوصيفات الكثيرة التي ترددت حوله، وصولا إلى اتهامه بالجنون، إذ كان قد أمضى فترة من الوقت قبل رحيله في أحد المصحّات النفسية. وما تؤكده المؤلفة هو أن موباسان لم يكن مجنوناً. ولكنه عانى بالمقابل، من آلام جسدية مبرحة، بعد إصابته بمرض الزهري، وذلك عندما كان شابا يافعا.

وتجدر الإشارة الى أن تشخيص إصابته بهذا المرض كان في عام 1877، أي عندما كان عمره 27 سنة فقط، حيث لم يستطع الأطباء القضاء تماماً على ذلك المرض. وكذلك عرف موباسان، العديد من المآسي العائلية، إذ تعرّض عمّه وأخوه للحجْر، بسبب إصابات عقلية. وكتب هو نفسه، عن الجنون في بعض حكاياته، ولكن الخيال الملتهب وأشكال الخلل العقلي، قضايا لم تكن بالنسبة له، أكثر من مادة أدبية.

وتؤكد المؤلفة أن آلامه، كانت جسدية، وليست عقلية. واللجوء إلى معالجته نفسيا، أدى إلى تفاقم آلامه الجسدية. بل وتذهب إلى حد القول إنه لم يكن مؤكداً أنه كان مصاباً بمرض الزهري، ولكنه عاش باستمرار تحت هذا التهديد. وتتم الإشارة الى أن ذلك ربما يفسر ابتعاده عن النساء، رغم ولعه بهنّ.وتشرح المؤلفة أن تشاؤم موباسان، كان مؤكداً فيما يتعلق بنظرته لمصير بني البشر.

وكان يحمل الكثير من الهموم حيال صحته، وحيال أوضاعه المالية المتردية في أكثر الأوقات، وأيضاً حيال أسرته، التي تعرضت لسلسلة من الأحداث الأليمة، ولكنه لم يكن تعيساً، كما تقول مارلو جونستون. بل على العكس كان يحب الحياة كثيراً، ومحبّاً لعمله بدون حدود. وكان حبّه للسفر ورحلاته العديدة التي قام بها، مادة غنية لكتاباته.

وتتوقف المؤلفة في هذا السياق، عند ما كتبه غي دو موباسان، حول الجزائر التي زارها. وهذه الكتابات ليست معروفة كثيراً، ولكنها تتجاوز كثيراً توصيف ما هو غريب، لتركّز بشكل خاص على الواقع الاستعماري الأليم. وتذكر المؤلفة العديد من المواقف، ومن الأمثلة التي أظهر فيها الكاتب الفرنسي نظرة نقدية واضحة وعنيفة:

عمليات «اغتصاب الأراضي» و«أشكال الازدراء» التي كان يتعرّض لها الجزائريون. ولكن موباسان لم يلتزم أبدا بالعمل السياسي، بل لم يتردد خلال قترة من حياته البالغة، في توجيه النقد للأحزاب السياسية القائمة آنذاك.

كما رفض باستمرار، الانخراط في صفوف المجموعات الماسونية المنتشرة. لقد كان رجلاً حراً، وأصرّ على أن يبقى كذلك.

ومن الصفات «اللاصقة» بموباسان، أنه كان يميل إلى العزلة. وهنا أيضا تؤكد المؤلفة، مدعّمة رأيها بالبراهين، أنه كان بالأحرى «يميل إلى الحياة الاجتماعية» وأنه كان عضواً في عدة حلقات، ولم يكن يتردد في حضور حفلات العشاء الباريسية.

وأنه كان مخلصاً جداً في صداقاته، وخاصة لمعلمه غوستاف فلوبير، الذي كان بمثابة أب بالنسبة له. وكان موباسان بالمقابل، لا يميل إلى الاستعراض، وحريصاً على الاستماع والملاحظة، هذا فضلاً عن أنه كان يتمتع بفضيلة التواضع.

 

 

 

 

 

الكتاب: غي دو موباسان

تأليف: مارلو جونستون

الناشر: فايار باريس2012

الصفحات: 1336 صفحة

القطع: الصغير

 

 

 

Guy de Maupassant

Marlo Johnston

Fayard - Paris- 2012

1336 .p