ما هي مكانة مصر في العالم؟ وماذا تمثل مصر في إطارها الإقليمي؟ سؤالان يحاول الباحث ستيفن: آ. كوك، الإجابة عنهما، عبر التعرّض لما يسميه "الصراع على مصر"، كما جاء في عنوان كتابه الذي يبحث فيه، ما يتعلق بالأحداث الكبرى التي شهدتها البلاد، منذ الثورة التي أطلقها المصريون، انطلاقا من ميدان التحرير في مطلع العام 2011 .

لا يتردد المؤلف في اعتبار مصر، بمثابة القطب الأساسي في البلاد العربية، وكذا المركز التاريخي للحياة الثقافية في هذه المنطقة من العالم، وذلك كما يدل تاريخها ووقائع العقود الأخيرة المنصرمة.

وتمثل مصر أيضا حجر الرحى في الإستراتيجية الأميركية، ضمن منطقة الشرق الأوسط، وهي تستقبل المساعدة الأكبر من واشنطن بعد إسرائيل، بالطبع.

وإذا كان نجم مصر قد خبا، خلال العقد الأخير من حكم الرئيس السابق حسني مبارك، فان أنظار العالم كله توجهت نحوها، عندما انطلقت ثورتها في ال 25 من شهريناير، من عام 2011 ، والى غاية تنحّي حسني مبارك، يوم 11 فبراير من السنة ذاتها.

يميّز المؤلف بين فترتين من حكم جمال عبد الناصر. تمتد الأولى، من عام 1952 وحتى هزيمة حزيران( يونيو) من عام 1967، أمام إسرائيل. وكانت تلك الفترة قد شهدت سياسة جريئة من الإصلاحات. وهي الفترة التي يطلق عليها تسمية "الناصرية بامتياز".

ومن السمات الأساسية التي يؤكد عليها المؤلف، بالنسبة لانقلاب عام 1952، أنه وضع على رأس السلطة، مجموعة من الشباب الذين لم يكن يعرفهم المصريون.

ومنذ وصولهم إلى السلطة، قدّموا الوعود بدفع عجلة التقدم إلى الأمام، في بلادهم. وأصبح عبد الناصر:" الخطيب المفوّه"، بمثابة صوت وضمير القومية العربية. وزادت شعبيته أكثر فأكثر، مع اللجوء إلى توزيع الأراضي على الفلاحين وتعميم التعليم وإيجاد الكثير من فرص العمل.

ويرى المؤلف أن أحد أسرار نجاح الضباط الأحرار، يكمن في استغلالهم موجة عميقة، لها جذورها التاريخية في العداء ضد التدخل الخارجي، ومثل هذه اللعبة لم تختف أبدا. ويبين المؤلف أن عبد الناصر غازل السوفييت، ولكنه لم يصبح شيوعيا أبدا.

ويرى ستيفن كوك، أن خليفة عبد الناصر، أي الرئيس الأسبق أنور السادات، حاول إصلاح الثورة. وكان قد اعتمد على عدد من الشخصيات ممن لم يكونوا يريدون القيام بإصلاحات ملموسة، وهكذا لم تذهب أعمال إدارة السادات بعيدا. ثم جاءت معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، لتنسف التوجه القومي وصورة قوة مصر وفكرة استقلالها، أي كل ما كان قد توجّه الضباط الأحرار في بداياته.وفي مثل ذلك السياق، وصل حسني مبارك إلى السلطة، حيث لم يكن التوتر المتكدّس قليلا، ولم يكن هناك الكثير من المصريين الذين ذرفوا الدموع، لنهاية سابقه.

ويشير المؤلف إلى أن الدرس الأهم بالنسبة للطبقة التي وصلت مع مبارك إلى السلطة، هو : "لا تخاطر بأي شيء"، والتوقف عن رؤية مصر كمسؤولة عن مصير العالم العربي، مع بروز آمال بتحقيق مشاريع تنموية.

ويروي المؤلف أن حالة من الركود سادت مصر في حقبة مبارك. وهذا ما يعبّر عنه من خلال دعابة رددها المصريون. مفادها أنه عندما استقلّ مبارك سيارة "الليموزين" الرئاسية الضخمة للمرة الأولى، وصل السائق إلى مفترق طرق. وقال للرئيس: "هنا كان عبد الناصر يدور دائما نحو اليسار".. وتابع

السائق نفسه: " أما السادات فقد كان يدور نحو

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اليمين". وأضاف: "ماذا تريدني أن أفعل؟ ". فقرر

مبارك بعد لحظة من التفكير، فرد : "يكفي أن نبقى حيث نحن". لقد حكم حسني مبارك 29 سنة و3 أشهر و28 يوما، وانهار حكمه بعد خروج الملايين من المصريين إلى ميدان التحرير، مطالبين بتنحّيه. ولم يكن يخطر ببال أحد أنه يمكن أن يستسلم.

وكان قد استخدم جيشا من رجال الشرطة السرية ومن المخبرين، بصورة تفوق ما كانت قد عرفته ألمانيا الشرقية(السابقة)، كما يشير المؤلف. تغلغلوا في كل مكان، ولكن أمام تلك الحشود الهائلة التي نزلت إلى ميدان التحرير في القاهرة، وإلى مختلف ميادين وشوارع المدن المصرية، لم يكن الجواسيس والغاز المسيل للدموع والهراوات وكل وسائل القمع، قضايا كافية للمحافظة على النظام.

 

 

 

 

 

الكتاب: الصراع على مصر من عبدالناصر إلى ميدان التحرير

تأليف: ستيفن آ. كوك

الناشر: جامعة اوكسفورد2011

الصفحات: 408 صفحات

القطع: المتوسط

 

The struggle for Egypt

Steven A. Cook

Oxford University Press - 2011

408 .p