برز على ساحة النقاش العام في فرنسا، اخيرا، موضوع مربيات الأطفال، واللواتي تشكل نساء إفريقيات أو مغربيات، النسبة العظمى بينهن. وتشارك الأستاذة الجامعية كارولين ايبوس في إعطاء أبعاد اجتماعية وسياسية لهذه الظاهرة، من خلال كتابها "من سيحرس أطفالنا؟"، الذي أثار العديد من ردود الفعل، منذ نشره في مطلع شهر فبراير، قبل أسابيع.
وتدرس المؤلفة هذا الموضوع، من خلال أربعة مشارب رئيسية، يحمل الأول منها عنوان"زوجان شابان يبحثان عن مربية لحراسة الأطفال". والثاني :"سيّدة البيت تملك منزلا جميلا، ولكنها تعيسة". والثالث :"ليس هناك أي طفل يمكن أن يحتل مكان أطفالي"، ويبحث الرابع في: "الشقاء الكبير الذي تعيشه المربية ".
هذه المشارب كلّها، وما يحيط بها من أسئلة كثيرة، تناقشها المؤلفة في عملية تحقيق ميداني، استمرّت ثماني سنوات، ابتداءً من حدائق لعب الأطفال في أحياء باريس، وحتى المحاكم، ومن البحث عن مربية جيّدة، وحتى علاقة الظاهرة بواقع العولمة القائم، ومرورا بما يجري في خبايا البيوت بين المربيات وأهل الأطفال، إذ يصبح جميع الأسرار مكشوفة للمربيات.
مربية سوداء وطفل أشقر، هذه هي الصورة التي تتكرر في شوارع باريس والتي تحمل، كما ترى المؤلفة، الكثير من الدلالات الرومانسية التي تعيد للذاكرة أجواء رواية " ذهب مع الريح" الشهيرة، لمؤلفتها مارغريت ميتشل. ولكن إطارها الحالي، حدائق ألعاب الأطفال الباريسيين، ومنازل الأهالي.
وتشرح كارولين ايبوس، أن ظاهرة تعاظم عمل النساء في مختلف المجالات العامّة، في البلدان المتطوّرة، ترافقت مع تعاظم سوق التوظيف في المنازل. ولكن يبقى السؤال قائما:إلى مَن يعهد الأهل العاملون بأطفالهم ومنازلهم؟ والإجابة المقدّمة هي نفسها، في باريس ولندن ونيويورك، وغيرها من المدن الغربية الكبرى .
وذلك ان هذه المهمّة موكلة عموما لنساء مهاجرات من بلدان فقيرة، وحيث ان قسما كبيرا منهنّ، تركن أطفالهن في البلاد، كي يقمن بتربية أطفال البرجوازية الغربية. وفي الحالة الفرنسية تتمثل الأغلبية العظمى بينهن، في نساء قدمن من إفريقيا السوداء، أو من بلدان المغرب العربي التي كانت فرنسا قد استعمرتها. وهنا تفتح المؤلفة قوسين، كي تطرح سلسلة من الأسئلة، مثل:
كيف يمكن أن يُعهد بالطفل إلى شخص لا يُعرف عنه أي شيء؟ وماذا ينتظر الأهل من "مربية جيّدة"؟ وما المقدمات التي جعلتهم يقومون باختيارها؟ وما الشروط والظروف الحقيقية لعمل المربيات؟ وهل كان للنجاح الاجتماعي للنساء البورجوازيات ممكنا لو لم تكن هناك نساء فقيرات وممزقات بين مكان عملهن وبلادهن وربما أطفالهن قد عملن لحسابهن؟
وتحدد كارولين ايبوس، أحد أهداف كتابها، في أن الأهالي الأغنياء الذين ينتمون إلى الشرائح العليا في المجتمع، يعهدون بأطفالهم، أثمن ما في حياتهم، إلى أناس لا يعرفون عنهم شيئا، ويدفعون لهم في نهاية المطاف، مبلغا زهيدا، كما نقرأ. وهذا في الوقت الذي لا تخفي فيه المربيات.
واقع أنهن يقمن بدور المربيات، من أجل الحصول على مبالغ من المال، بهدف إرسالها إلى بلادهن الأصلية. وتروي المؤلفة عدّة وقائع عن تمسّك المربيات بحقوقهن المالية . وتنقل عن إحداهن قولها لزميلة لها:" حين يكون الطفل عند جدّته، بدون علم مسبق من قبلك، ينبغي على الأم أن لا تنتقص من أجرك . وإذا فعلت ذلك فعليكِ أنت، عدم القبول بعمل ما تقومين به إذا لم يكن منصوصا عليه في العقد".
ومن جهة أخرى، تقول المؤلفة ان استخدام مربية، يعني إدخال السياسة إلى البيت. وهي تقصد بذلك، أن المنزل يصبح ساحة للمواجهة، بين امرأة غنيّة من بلد غني، وامرأة فقيرة من بلد فقير، وبين امرأة بيضاء وامرأة سوداء، في الكثير من الحالات. وبالمقابل تسود لدى الأمهات القناعة، بأن المربيات يقمن بعملهن كخيار ومتعة، ومن ما يرددنه في أحاديثهن المتبادلة :" وفّرت لامرأة فرصة عمل، وبالتحديد عمل خُلقت للقيام به، وهي تحبه".
وتؤكّد المؤلفة في إحدى النتائج التي تتوصل إليها، من خلال البحث والتقصّي، أن حصيلة ظاهرة تولّي المربيات تربية وحراسة أطفال الاخرين، إنما تدعو بالأحرى، إلى التشاؤم. وتكتب المؤلفة:"إن واقع كون عدم وجود حالة من التقييم الإيجابي الكامل للتجربة المشتركة، يبيّن أن اللجوء إلى تكليف المربيات بتربية الأطفال، ليست الوسيلة التي تعطي أفضل النتائج".
الكتاب: من سيحرس أطفالنا ؟
تأليف: كارولين ايبوس
الناشر: فلاماريون- باريس- 2012
الصفحات: 288 صفحة
القطع: المتوسط
Qui gardera nos enfants
Caroline Ibos
Flammarion- Paris- 2012
288 .p
