تشكّل شركات الصناعات العمالة في ميدان الجمال والتجميل، أحد أهم النشاطات الاقتصادية في عالم اليوم. والأستاذ في جامعة هارفارد جيوفراي جونز، متخصص بالتجارة العالمية. وقدّم سابقا، كتابا عن تاريخها، كما كتب الكثير عن الشركات متعددة الجنسيات، وخاصّة من وجهات النظر المتعلّقة بالمنتجات الاستهلاكية . وهو يكرّس كتابه الأخير لـ"تاريخ صناعة الجمال العالمية"، باعتبارها تعبّر عن ما يسميه "الجمال المتخيّل"، كما يقول العنوان.

يناقش المؤلف ،مفهوم الجمال على أنّه نتاج إرادة جماعية لمجتمع استهلاكي، وبالتالي يعتبره بمثابة بناء اجتماعي له تاريخيته. وهو ينطلق من اعتبار أن المنطق التجاري للجمال يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر، مع انتشار الصورة التجارية، وبالتالي بروز صناعة التجميل الحديثة. وبالمقابل يشرح المؤلف أن الطبيعة البشرية تحبّ الجمال.

وجميع المجتمعات الإنسانية منذ المصريين القدماء على الأقل، استخدم منتجات التجميل من أجل زيادة جاذبية من يستخدمها. ولكن من المعروف أن معايير ونماذج الجمال تغيّرت وتنوّعت كثيرا، عبر الحقب والحضارات. أن صناعة التجميل بالمعنى السائد اليوم، ترتبط مع البلدان الغربية، ومع الإنسان الأبيض والنساء عموما.

ويسرد المؤلف العديد من الوقائع والأحداث الخاصّة بسيرة بعض الأشخاص الذين كانوا وراء أكبر الماركات العالمية في مجال الصناعات الجمالية، مثل "آفون" و"لوريال" و"كوتي"، وغيرها، إذ إن منتجات هذه الماركات، غدت تشكل بعض مفردات الثقافة العالمية السائدة، وهي التي تقوم بمهمّة تخيّل الجمال وتقديم صورته لنا، من خلال الموضة.

ومن الأسماء التي تتردد في تحليل المؤلف فرانسوا كوتي، الذي يعتبره عبقرية إبداعية، في مراحل تكوين الصناعات التجميلية في مطلع القرن العشرين.

ويبيّن المؤلف كيف قامت أجيال متعاقبة من أرباب الشركات، بتأسيس عدد من الماركات التي اكتسبت شهرة عالمية، أسست بدورها، لمفاهيم شائعة في الجمال . كما قاموا بالتوازي، بإنشاء المنظمات المهنية الضرورية من أجل تأمين تسويق تلك الماركات. ومن ثم جرت عملية تعميم استخدام منتجات التجميل على شرائح اجتماعية واسعة، بحيث لم تعد تقتصر على النخبة؛ وهذا ما يسمّيه المؤلف، بتبنّي ديمقراطية الوصول إلى منتجات الجمال.

ويشرح المؤلف أن الجمال يبدو صناعة من السهل الولوج إلى أسرارها، ولكن من الصعب النجاح فيها. وسهولتها لكونها لا تحتاج إلى رأس مال كبير نسبيا. كما لا تستدعي معارف تكنولوجية معمّقة . ولكن المهم في هذا الميدان، هو امتلاك الموهبة والمخيّلة الإبداعية كشرط للنجاح.

ومن الصعب في هذا المجال أن تضمن الشركات الأكبر في العالم، والتي يديرها خبراء مدرّبون أكفّاء، نجاح أي منتج جديد . وتدلّ التقديرات المقدّمة أن مصير 90 بالمائة من العطور الجديدة التي يتم إطلاقها، هو الفشل.

وأمّا الشركات الجديدة فإنها تواجه تحديات كبرى، ليس أقلّها صعوبة الوصول إلى المستهلكين والدخول في "كواليس" شبكات التوزيع. والنجاح يتطلّب بالضرورة، امتلاك المواهب الخلاّقة والكفاءات في ميدان التسويق، والقدرة على فهم أنماط الاستهلاك السائدة في السوق المستهدَفة، والاستجابة السريعة لما يفضله المستهلكون .ولا بدّ في جميع الحالات، من العمل الدؤوب، والكثير من الحظ للنجاح.

وتمثّل هذه الصناعة وما يدور في فلكها ويتعلّق بها، أحد فروع النشاط الاقتصادي العالمي الهامّة . وهذا ما يدلّ عليه رقم أعمالها التجارية السنوية، والذي يصل إلى 330 مليار دولارا. واستثمار الآلاف من أصحاب المشاريع فيها، في العديد من بلدان العالم، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة واليابان والبرازيل. وفيما يتجاوز هذه البلدان، ففي جميعها تغلغلت فكرة أن تكون المرأة جميلة، إلى أذهان نساء والرجال، بحيث انها أثّرت على مفاهيمنا للجمال.

 

 

الكتاب: الجمال المتخيّل

تاريخ صناعة التجميل العالمية

تأليف: جيوفراي جونز

الناشر: جامعة أكسفورد 2011

الصفحات: 432 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

Bequty imagined

Geoffrey Jones

Oxford university press- 2011

432 .p