يعيش العالم اليوم ثورة المعلوماتية والاتصالات. ويتفق الجميع على القول ان التجديدات التكنولوجية والصناعية الرقمية غيّرت بشكل عميق طرق عملنا. لكن التغيير الحاصل مرشح للتعمّق والتجذّر خلال السنوات العشر المقبلة. وهذا ما يشرحه المستشار في مجال المعلوماتية واستراتيجيات تسويقها، مايكل دوكار سيلفر، في كتابه الذي يحمل عنوان: "صدمة الإنترنت في أفق عام 2020".

المهمة التي يحددها المؤلف لكتابه، تتمثل من جهة في محاولة الكشف عن الطريقة التي غيّرت فيها التكنولوجيات الرقمية من عمل البشر، ومن جهة ثانية تبيان الأسباب التي تجعل من الضروري على الشركات والمؤسسات المختلفة، تلجأ إلى استثمار الوسائل التكنولوجية الجديدة إذا أرادت النجاح في العالم الرقمي الجديد.

وعبر هذين المحورين الأساسيين، يقوم المؤلف برسم ملامح الحقبة الرقمية المقبلة. وهذه الحقبة تستدعي بالضرورة، التأقلم السريع مع الثورة التكنولوجية، بحيث ترسم المؤسسات والشركات والهيئات، استراتيجية للعمل، على مدى القرن الحادي والعشرين. كما يؤكد المؤلف في السياق نفسه، أن التغيير سيطال الأفراد ودقائق حياتهم اليومية، وكذلك نمط سلوكهم.

إن المؤلف يريد لكتابه أن يكون بمثابة خارطة طريق، كما يقول، عن أفضل السبل لعبور فترة التبدلات الراهنة في مسار التطوّر السريع والمتسارع أكثر فأكثر. وليس فقط مجرد العبور والخروج من دون خسائر، بل الخروج منتصراً. ويشدد المؤلف على أنه سيكون مطلوباً من الجميع، سواء من الأفراد أو المؤسسات، القيام بنوع من إعادة اختراع الذات، في محاولة للتكيّف مع نمط استهلاك جديد قد تختفي فيه، شيئاً فشيئاً، التجارة التقليدية، لصالح استخدام شبكة الإنترنت.

وما هو أكيد، كما يرى المؤلف، أن تغيّراً كبيراً سيطرأ على صغار التجّار الذين قد لا يجدون مكاناً لهم في الدورة التجارية المقبلة، وذلك أن التكنولوجيا هي بصدد أن تصبح عامة، المصدر الرئيسي لذلك التعامل، باعتبار أنها تمثّل ميزة حاسمة في المنافسة.

وفي القسم الأول من الكتاب، يحاول المؤلف الإجابة على السؤال التالي: ما الذي تغيّر؟ ثم سؤال آخر وقسم آخر: ماذا يعني هذا التغيير؟ هذا قبل الانتقال إلى الحديث عن أشكال التهديد على الموديل التجاري القديم. وتغيّر آليات الدعاية، ومن ثم المزايا والمسالب. وأخيراً يبحث المؤلف في كيفية تنظيم المستقبل.

اليوم أصبح الوصول إلى المعلومات والثقافة والعلاقات الاجتماعية والعمل والسياسة والتربية والصحة، متاحاً أمام شرائح كبيرة من المجتمعات المتقدمة والنامية. وهذا كله عبر التكنولوجيات الرقمية التي لا تزال في بداياتها، كما يشير المؤلف. ثم يبين انه من الصعب تصور مجتمع اليوم من دون إنترنت.

ومن الصعب تصوره مستقبلًا إلا منظّماً، من حيث مختلف نشاطاته، بشأن الإنترنت. وإذا كانت شبكة الإنترنت اليوم رهاناً اقتصادياً بالدرجة الأولى، فإنها ستكون رهاناً اجتماعياً، خلال السنوات المقبلة. ثم ليس هناك من يستطيع اليوم معرفة النتائج الدقيقة التي ستترتب على التطورات الراهنة.

ومن الميزات التي يتم التأكيد عليها في العالم الرقمي (المقبل)، صفة الدعوة إلى الانفتاح على الآخر وعلى العالم. ذلك أن العصب الرئيسي للممارسة الرقمية، هو التبادل المفتوح مع الآخر وعليه. وهذا يمثل بمعنى ما، حسب رأي المؤلف، تطبيقاً عملياً لمقولة، ان التواصل الحر في الأفكار والآراء، أحد الحقوق الأكثر جوهرية بالنسبة للإنسان.

ومن السمات الأساسية التي يتم التأكيد عليها، ضرورة أن تبقى شبكة الإنترنت حيادية مع تأمين السبل لإمكانية الدفاع عن ذلك. لكن يبقى المهم في جميع الحالات، هو تبني كل ما يمكن أن يزيد من إحساس الجميع بالمسؤولية، في سبيل تعزيز الثقة، فالقوانين النافذة لا يمكنها أن تضبط جميع التفاصيل، خاصة وأن التكنولوجيات الجديدة تطرح باستمرار معطيات قد لا يطالها المجال القانوني المطبّق.

وبهذا المعنى يؤكّد المؤلف أهمية الضبط الذاتي الضروري في العالم الرقمي، بحيث يمكن تطبيق القواعد سريعاً. فالقوانين تستطيع فقط أن تحدد إطاراً عاماً تحكمه بعض المبادئ الجوهرية.

ويحدد المؤلف أحد الرهانات الأساسية الكبرى في المجتمع الرقمي المقبل، بانتهاج سياسة محو أمية رقمية، لتطال الجميع، من الأطفال وحتى الطاعنين في السن، وأيضاً الشرائح الأخرى بينهم. والمطلوب هو تعلّم استخدام الأداة الرقمية، وفهم المستجدات في مجالها ونتائجها. وذلك عبر مقاربات اقتصادية وتقنية وكذلك أخلاقية، ومثل هذا النهج يتطلّب واقعياً، الانتقال إلى عصر المدرسة الرقمية، والتي ستتجسد من الآن وحتى أفق العام 2020. وبهذا المعنى أيضاً تلوح في الأفق ثورة ستغيّر الكثير من أسس المجتمعات القائمة اليوم.

ويبدو أن الاقتصاد الرقمي، سيكون هو القطاع الأكثر دينامية خلال السنوات القليلة المقبلة بين جميع قطاعات النشاط الاقتصادي العالمي. وأنه يشكّل منجماً للنمو ولتأمين فرص العمل، ومنجماً تنبغي الاستفادة منه لمواجهة أزمات البطالة المستشرية في العديد من المجتمعات الغربية المتقدمة. وهذا مع تأكيد المؤلف باستمرار، أن العالم الرقمي لا يشكل رهاناً اقتصادياً فقط، ولكنه أولًا وأساساً، هو بمثابة رهان اجتماعي مصيري.

الكتاب: صدمة الإنترنت في أفق عام 2020، كيف غيّرت ثورة التكنولوجيات أعمالنا وحياتنا؟

 

 

 

تأليف: مايكل دوكار سيلفر

الناشر: بلغراف مكميلان- نيويورك- 2011

الصفحات: 168 صفحة

القطع: المتوسط

 

E. shock 2020

Michael De Kare Silver

Palgrave MacMillan- New York- 2011

168 .p