يعتمد كتاب"الفكه في الاسلام"، للباحثة ليلى العبيدي، على مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة(9 أحاديث)، كمدخل تكشف من خلاله فضاء مهما لموضوع ورؤى بحثها، إذ انطلقت ليلى العبيدي في قراءتها منقبة عما يمكنه أن يشكل اساسا لعمارتها، فركزت جهدها على ما في متون الاحاديث النبوية الشريفة، من أخبار وقصص، معتمدة أسلوب التفكيك والتحليل والاستنطاق.

جعلت المؤلفة كتابها في فصول ستة، والاهداء خصصته: الى" التي تذوقت من ملح عرقها حلاوة الحياة .الى أم الزين في فردوسها الجميل".

وارتأت العبيدي أن يكون الفصل الاول مدخلا الى دراسة الموضوع، فعرضت فيه لاهم مظاهر الفكه في الثقافتين الغربية والعربية الاسلامية، وهي لم تعمد في هذا الفصل الى كتابة تأريخ للفكه ولا رصد كل ما كتب وقيل عنه، بل سعت الى تتبع تجلياته، والاسباب الثقافية والدينية،"التي كانت وراء اختياره فنا من فنون الخطاب مرة ،أو رفضه والدعوة الى القطع معه مرة أخرى."

وتبين المؤلفة انه اولى فلاسفة اليونان، موضوع الفكه، شأنا خاصا، فرغم الصرامة التي اتصفت بها الفلسفة اليونانية، لم تغض الطرف عن الاهتمام بالضحك، بوصفه الوجه الاخر للتراجيديا . وتؤكد ليلى العبيدي انه يعد أرسطو أول من وضع الخطوط الواضحة لدراسة آلية الفكه، مشيرة إلى أنه لكنه دعا الى الاحتراس من السقوط في التهريج والابتذال، مسايرة لنظام المعتقدات في المدينة الفاضلة، والذي كان يسمح بالتعرض للآلهة، ووصف الصراعات في ما بينهم أو مع الإنسان.

وتتتبع العبيدي المواقف المتزمتة التي أرستها الكنيسة تجاه كل ما هو خارج عن الجد والصرامة في بداية عهدها، فنبذت فنون الفرجة على أنواعها، ورمى أحد أقطابها المسرح بالكره والكفر، ولم يعد الاعتبار اليه الا في النصف الثاني من القرن الرابع، مع اعادة الحياة إلى المسرح، واستعيد الاهتمام به من جديد.

وفي تناولها مسألة الضحك في الثقافة العربية، ترى العبيدي أن الفكه احتل مقاما واسعا فيها، وقد أفرد له موطئ في الشعر والنثر والمقامة، حيث يتشكل قصصا تروى عن البخلاء، ومجموعة من النوادر عن الحمقى والمغفلين، إضافة إلى أخبار في سير الاولين، وجملة بدع افتراها بعض رجال الدين والمتفقهين.

وعمدت المؤلفة، في الفصل الثاني، الى سبر أغوار الاحاديث النبوية الشريفة، بحثا فيها عما يظهر الفكه كحقيقة بينة ومقرة. وقد حاولت رصد مظاهر هذا الفكه والبحث في وظائفه المختلفة التي كانت الغاية منها السعي الى ربط علاقة ود ويسر بين الله جل جلاله، وعباده، ونشر مبادئ الدين المتسامح، والاقتداء بالاعمال الصالحة، واقامتها نموذجا في الارض، وذلك وصولا إلى حقيقة انتقال الضحك من ملهم الضحك، وهو الله جل جلاله، الى المسلمين عامة، عبر الرسول الكريم محمد (ص)، والصحابة .

ومن ثم تننقل الباحثة في الفصل الثالث، الى رصد المواقف التي املت على الرسول الكريم محمد (ص)، أن يكون واحدا من بين العامة، ملتفتا الى واقع الناس ومتحسسا مشاكلهم .وتظهر القصص التي ترد في متون الاحاديث المذهب الذي تنكب الرسول(ص) السير فيه، فكان يبسط الامور ويسهل على العباد، عبر معالجة الامور معالجة بسيطة تتخذ الفكاهة وسيلة لايصال تعاليم الدين. وتشير المؤلفة إلى انه هكذا بدا بعض ما جاء في الأحاديث النبوية الشريفة، افصاحا عن مواقف، تراها "مرحة ومجدية ".

وغلب على الفصل الرابع في الكتاب، طابع الحميمية، والتي طبعت علاقة الرسول الكريم محمد (ص)، بأفراد عائلته. وقد شاع عن الرسول الكريم أنه كان من أفكه الناس مع أهله. وتثبت الكاتبة ذلك من خلال المدونات التي استقصتها من الاحاديث، موضحة انه بدت"العلاقة بين محمد وزوجاته، علاقة ود ومداعبة بالكلمة اللطيفة والاشارة الخافية والمزاح الذي لاغاية له، غير اقامة عالم من البهجة والسرور في بيت الرسول (ص)".

وقد جمعت في الفصل الخامس الأحاديث النبوية الشريفة التي" بدا فيها الرسول(ص) شخصا فكها يلاعب الاطفال ويجاري البدو والاعراب في سذاجتهم السمحة، ويمازح العجائز". وتتحول العبيدي إلى ذكر أمثلة وعدة قصص في هذا الصدد.

وفي الفصل السادس، عرضت العبيدي لما كان يدور بين الرسول (ص) وصحابته من مزاح وتندر بالاخبار . وقد بدا صلى الله عليه وسلم، في مواقفه ودودا ومحبا لهم، و"كان يسمح لهم بالمزاح في ساحة الوغى، ويمكنهم من متعة الزواج عام الفتح، فيشعرون بالرفق واليسر". وتتساءل الكاتبة في خاتمة بحثها عن الاسباب التي أسهمت في تعزيز روح التزمت والعنف والانغلاق في الثقافة العربية الاسلامية، بعد أن كانت فسحة يطل الدين عبرها :"سمحا يسيرا فكها ".

وتتبدى اهمية هذه الدراسة انطلاقا من ظروف واقعنا المجتمعي الراهن، والظروف المستجدة التي يعيشها عالمنا العربي، علّ النخوة تستيقظ في نفوس الغيارى، فيبادرون الى اظهار الدين على حقيقته، وجها سمحا ومنفتحا، يشهد للعدل والحق، بعيد عن أي تشويه وانحراف.

 

 

الكتاب: الفكه في الاسلام

تأليف: ليلى العبيدي

الناشر: دار الساقي بيروت -2011

الكتاب: 222صفحة

القطع: الكبير