يناقش كتاب «أبعاد الصراع الفرنسي الأميركي حول المغرب العربي والشرق الأوسط وإفريقيا»، لمؤلفه الباحث المغربي الدكتور حسن مصدق، طبيعة الصراع الخفي وغير المعلن، بين أميركا وفرنسا.

والذي يحتاج إلى الإيضاح، فهو يتضمن مسائل غامضة تتطلب التحديد. ويبين المؤلف انه أضحت العلاقات الفرنسية الأميركية بحاجة إلى مراجعة، خاصة بعد تصريح هنري كيسنجر: «من هنا فصاعداً، لن تكون الأمور كما كانت عليه بين فرنسا والولايات المتحدة». وأيضاً تصريح دونالد رامسفيلد:

«من ليس معنا فهو ضدنا». والوقوف على طبيعة العلاقات الفرنسية الأميركية يستوجب معرفة أسبابها وجذورها التاريخية، والسياق التاريخي العام الذي تمت في إطاره، وأبعادها، ولقد استوقف هذا الصراع كل من مؤسسة بروكينجز الأميركية والمعهد الفرنسي لدراسة أسبابه التاريخية.

وينقسم الكتاب إلى تسعة فصول، يتناول المؤلف خلالها، تاريخ العلاقات الفرنسية الأميركية، وكيفية وقوعها في حالة من شد وجذب دائمين، وخضوعها لعدة عوامل ساهمت في استمرار حالة الشك الدائم بين فرنسا والولايات المتحدة، منذ مناهضة الرئيس ديغول (1958-1969) للهيمنة الأميركية، ومحاولة رصد تطور العلاقات.

كما يبين الدكتور حسن مصدق، هنا، أسباب الخلافات بينهما. ويوضح أنه أصبح هناك نموذجان عند كل منهما، بالنسبة لفرنسا هناك سيناريو أوروبا قوية سياسيًا وموحدة اقتصاديًا، ومن جهة أخرى سيناريو الولايات المتحدة الأميركية أوروبا موحدة اقتصاديًا لكن تحت مظلة حلف الأطلسي.

وإذا كان السيناريو الأميركي قد اعترف على مضض بالاندماج الاقتصادي الأوروبي وبروزه كقطب جديد، إلا أنه اشترط اندماجه كليًا في حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة. وقد أثارت فكرة الاندماج الأوروبي كثيرًا من الجدل وسط صناع القرار الأميركي، حيث رحب كيسنجر بفكرة برنامج دفاع مستقل لأوروبا، لكن دون تحبيذ فكرة سوق أوروبية مشتركة.

ويبين مصدق انه بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، تراوحت السياسة الأميركية الأطلسية بين إهمال مفتعل لما كان يجري في أوروبا، وقت اشتعال نار الحرب الأهلية في البلقان، وبين التدخل العسكري المباشر وسياسة القبضة المحكمة التي تمثلت في إقصاء ميلوسوفيتش. كما حرصت الولايات المتحدة على أن يبقى التحالف الأطلسي هو المرجع الأمني الوحيد في أوروبا. وحاولت الولايات المتحدة عرقلة ما كانت تطمح إليه فرنسا من بناء أوروبا موحدة سياسيًا وعسكريًا.

وبرأي المؤلف، فإن «العراق» كان الشعرة التي قصمت ظهر الوفاق بين فرنسا والولايات المتحدة في الأوسط.

وينتقل المؤلف لإيضاح حقيقة أنه ازدادت حدة الخلاف بين الجانبين، بعد الانتصار الذي حققته القوات الأميركية في أفغانستان. كما يتطرق مصدق الى الصراع الفرنسي الأميركي في حوض البحر الأبيض المتوسط، فيتناول مشروع «برشلونة»، ومشروع «الشرق الأوسط»، إذ لكل منهما رؤيته الجيواستراتيجية التي يحاول من خلالها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الدفاع عن مصالحه وموقعه في حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.

ثم يعرض المؤلف لمشروع «اتفاقية الشراكة الأوروبية المتوسطية. والفلسفة السياسية العامة التي توجه الشراكة الأوروبية، والتي تبغي تحقيق رؤية تكاملية محملة بأبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بين ضفتي المتوسط».

وأما الفصل الثالث، فيركز على بحث موضوع الصراع بين الجانبين، في محور وموضوعة «دول مجلس التعاون الخليجي بين خيار التنمية المستقلة والوحدة الاندماجية أو خيار الإنفاق العسكري وخطر التبعية الأجنبية». وأما بالنسبة للصراع الفرنسي الأميركي في القارة، فإفريقيا لم تكن محل اهتمام الولايات المتحدة في بادئ الأمر. غير أن الوضع بالنسبة لفرنسا يختلف تمامًا، منذ قديم التاريخ.

ولكن السياسة الأميركية في إفريقيا اصبحت بمثابة الركيزة حالياً، ومحط اهتمام كبير. ويعتني المؤلف في الفصول الأخرى من الكتاب، بمناقشة جملة موضوعات مهمة، منها: «رهانات الصراع على الطاقة الإفريقية في العلاقات الدولية»، «دبابات التفكير الأميركية ومعاهد ومراكز ومؤسسات لرصد العالم العربي والإسلامي».

ويبحث الكتاب في «كارثة تسونامي في ضوء العلاقات الدولية والتحليل الجيواستراتيجي»، ويتعرض فيه أولاً لكارثة تسونامي الطبيعية 26 ديسمبر، والتي أثارت جدلاً علي المستوى العالمي، حيث كشفت تلك الأزمة عن خبايا التنافس المحمود الذي أصاب القوى العظمى في ميدان المساعدة الإنسانية، مما جعل المراقبين يتساءلون عن نوع العلاقة بين الكوارث الطبيعية والكواليس الدبلوماسية.

وثانيًا يشير المؤلف في هذا الفصل إلى أهمية دول جنوب شرق آسيا المتكتلة في جمعية دول جنوب شرق آسيا، الذي تأسس عام 1967، وقدرته على خلق منابر جهوية كالمنبر الجهوي لشرق آسيا، ومنبر التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي، وقمة آسيا - أوروبا، ومنبر آسيا لشرق أميركا اللاتينية.

وأهميتها أيضًا في مراقبة الممرات البحرية والتجارية الدولية الموجودة في بحر جنوب الصين، ومنها النزاع حول أرخبيل سبراتلي، وجزر البراسيل. كما أن هذه المناطق هي خزان للطاقة الهيدروغازيــة، وهو ما يدفع القوى العظمي نحوه، وخاصة الصين واليابان والولايات المتحدة.

فوُجد بعد تلك الكارثة الطبيعية، انه أعلنت رايس أمام لجنة الشيوخ اعتبار كارثة تسونامي فرصة للدبلوماسية الأميركية. وأعلن بوش في 29 ديسمبر تكوين تحالف للإنقاذ يضم: (استراليا، الهند، اليابان، واستراليا)، دون أن يكلف نفسه عناء إبلاغ ذلك إلى الأمم المتحدة، ولا إلى حلفائه الغربيين. ويشير الباحث إلى اهتمام الولايات المتحدة الأميركية ببلدان المنطقة، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر للأهمية السياسية للمنطقة، ولدورها الجيواستراتيجي الحيوي.

 

 

 

 

 

 

الكتاب: أبعاد الصراع الفــــــــــرنســــــي الأميركي.. حول المغرب العربي والشرق الأوسط وإفريقيا

تأليف: الدكتور حسن مصدق

الناشر: دار قرطبة - الجزائر - 2010

الصفحات: 220 صفحة

القطع: المتوسط