يسرد كتاب "حساسية الروائي وذائقة المتلقي"، لمؤلفه الاديب السوري عبدالباقي يوسف، الكثير من حكايات وتفاصيل عالم الرواية التي تبني علاقة شخصية وسحرية شديدة الخصوصية، تخلقها حساسية الروائي وتتفاعل معها ذائقة المتلقي.
ويقول الكاتب في استهلاله للكتاب: الدخول إلى عالم الرواية هو انفتاح على عالم جديد، ولهذا فإن عالم الرواية يستقطب جمهورا هائلا من مختلف الشرائح، لأن هؤلاء بالفعل يرغبون في قراءة ذاوتهم، من خلال قراءة الرواية التي تتحول في بعض مراحلها كرواية التحليل النفسي على يد دستويفسكي وتولستوي وستفيان زفانج، ورواية تفاصيل واقعية الحياة الشخصية على يد بلزاك إلى مرآة ينظر فيها القارئ إلى ذاته بنقاء.
ثم يتحدث المؤلف عن علاقته الشخصية بالرواية، ويسرد بعض الأحاديث والمواقف الشخصية مع كتابة الرواية، وهي تقدم ما يشبه المشكاة لقارئ أعماله بشكل خاص، ولقارئ الرواية بشكل عام. ويقول: نحن لا نحتاج أن نقرأ رواية لمجرد أننا نرغب في قراءة رواية، إننا نحتاج إلى رؤية عالم لم نره.
ولم نقرأ عنه من قبل لدى شروعنا في قراءة رواية جديدة، ذلك لأن الرواية معنية بفتح عالم جديد أمام قارئها...". ويضيف يوسف في كتابه: الرواية تحمل عبق الإنسان، تحمل رائحته الزكية، إنها أكثر الحالات صفاء وانسجاما مع تفاصيل الحياة.
ويرى الكاتب أن أية رواية تحقق في العالم الخلود علـى قدر ما تفوح بروائح تربتها، لأنها تقدم زمنا وأرضا ومجتمعا، ولذلك فإن الصدق ينفجر من أكثر الكتابات التصاقا بتفاصيل المحلية، وليس ثمة سبيل أقرب إلى العالمية من محلية الأفكار والتعابير فالرواية هي الإنسان، هي كتاب الحياة الأكثر إضاءة ووضوحا. ويرى المؤلف أن الإبداع العظيم يحتاج لشخصية عظيمة غير مهزوزة، فرغم الاهتزاز في بعض تصرفات تولستوي، إلا أنه كان جبارا في قوة النفاذ إلى العمق البشري.
ولقد كانت شخصيته قوية بشكل لافت، وكذلك رغم نوبات صرع دستوفسكي، كان عظيما في مواقفه الأدبية والاجتماعية، وكان مخلصا بشكل مذهل لأدبه ويعتبره القيمة الكبرى في حياته. ويشير عبدالباقي يوسف الى أن الإنسان حتى الآن، لم يجد وسيلة أجدى من الكتابة تلخص وتقدم هلوساته وتصوراته وأفكاره عن العالم.
وكذلك تسجل نقاط ضعفه ونقاط قوته ومشاعره وموسيقاه الداخلية، وفي النهاية فإن الكلمات الخالدة هي التي تنجح في أن تجمع ما بين الهذيان والعقل، لأن الإنسان في كثير من مواقفه يمكن له أن يهذي كما أنه في كثير من مواقفه يقدم العقل.
ثم يتحدث عن حساسية المرأة الروائية، من خلال إبداعها الروائي، متناولا أسماء بالغة الحساسية في تاريخ الرواية، مثل: آغاتا كريستي، توني موريسون، سيمون دي بوفوار، شارلوت برونتي، فرنسواز ساغان. ويبين المؤلف أن المرأة تجيد الحكي السردي بشكل يميزها عن الرجل.
ومن هنا اتسم أدبها بخصائص أغنت جنس الرواية في العالم.. وأن الرواية النسوية هي الرواية التي تكتبها المرأة وتقدم فيها المرأة من كونها امرأة، هذا التقديم الذي يكسب خصوصية كونه يأتي بقلم المرأة التي هي أبلغ وأدق تعبيرا عن نفسها من الرجل.
ومن هنا كان مصطلح الأدب النسوي الذي أحدث ومازال، الكثير من الجدل حول مشروعيته. ويقول يوسف: "عندما تكتب المرأة يكون الآخر موجودا بقوة وهي تكتب، بينما الرجل يلغي هذا الآخر أثناء عملية الكتابة، كما أظن في الروايات التي قرأتها سواء في بلادنا أو في العالم، فعندما أقرأ رواية لكاتب حتى لو كانت تتناول حياة امرأة.
فإنني لا أجد حضور المرأة في تلك الرواية على قدر ما أجد رأي الرجل في المرأة، بينما عندما أقرأ رواية لكاتبة تتحدث عن امرأة فإنني عند ذاك أقرأ المرأة. من هنا فإنني عندما أقرأ سيمون دي بوفوار في الجنس الآخر أو في مذكرات فتاة رصينة أو في المرأة العجوز، سأرى خلافا في التعابير عندما أقرأ الوجود والعدم لسارتر رغم قوة العلاقة بينهما.
ويؤكد المؤلف انه على قدر هذه الخصوصية بين الادب الذي تكتبه المرأة والآخر الذي يكتبه الرجل، وأيضا هذا التمايز الإبداعي بين الأدبين، يكمن الثراء في الإبداع، وتكون المرأة مبدعة أصيلة ومتميزة إلى جانب الرجل في ثنائية إبداعية مكملة لبعضها.
كما ان المرأة هي التي تنجح في أن تقدم نفسها كامرأة، هذا التقديم الذي ليس بوسع أحد أن يقدمه غيرها. وعندما يتحدث الروائي عن حميمية علاقته بالمرأة، فإنه يتحدث بطلاقة لأنه يتحدث عن مآثره، وعن مزاياه. ولكن عندما تتحدث المرأة عن حميمية هذه العلاقة، فإنها تتحدث بشيء من الحياء لأنها تشعر بأنها تفضح سرا من أسرار بنات جنسها، وتروي خفايا أكثر نقاط أخواتها ضعفاً وخدشاً للحياء.
الكتاب: حســــــاسيــــــة الروائي وذائقة المتلقي
تأليف: عبـــــدالبـــــاقـي يوسف
الناشر: المجلة العربية كتاب المجلة العربية 182 الـــريــــــاض السعودية- 2012
الصفحات: 248 صفحة
القطع: المتوسط
