قبل أشهر قليلة صدر في فرنسا، كتيّب صغير، تحت عنوان «اغضبوا» لمؤلفه ستيفان هيسيل، ووجد إقبالاً جماهيرياً هائلاً، إذ بيعت منه نسخ تقدر بالملايين. واليوم يعود المؤلف نفسه، لاستكمال ما يبدو الوجه الآخر لصرخة المطالبة بالغضب، ولكن هذه المرة بالاشتراك مع عالم الاجتماع الفرنسي المعروف ادغار موران، وذلك في كتاب مشترك يحمل عنوان «طريق الأمل».

هذا الكتاب هو عبارة عن «بيان» يطالب فيه مؤلفاه، بضرورة استيقاظ الضمائر في المجتمعات الغربية والاستجابة الكاملة لمستلزمات المواطنة، والتي يريان فيها سبيل الخلاص في مواجهة التهديدات التي تلوح في الأفق. ويحدد المؤلفان الخطوة الأولى في طريق الأمل، بالإعلان عن شجب المسارات الحالية لسياسة عمياء تقود إلى الكارثة، والإعلان عن أمل جديد.

ويعلن المؤلفان، الصديقان منذ فترة طويلة، أنهما يريدان لعملهما، أن يكون بمثابة مساهمة في تكوين تيار جديد، على أساس استيقاظ الضمير، بحيث يمكنه توليد سياسة ترقى إلى مصاف التحديات المطروحة. ويؤكدان القول، منعاً للالتباس كما يشيران، أنهما لا يقترحان ميثاقاً موجهاً للأحزاب السياسية القائمة.

إنهما يقدمان أولاً، نوعاً من تشخيص الحالة الراهنة للعالم القائم اليوم عامة، وللوضع في فرنسا بشكل خاص. ويؤكدان كنتيجة لتوصيفهما القول ان هناك إحساساً عميقاً وقائماً على معطيات الواقع، بأن المجتمعات الغربية هي في طريقها إلى مواجهة أزمة أكثر عمقاً من الأزمة الاقتصادية والمالية التي لا تتوقف وسائل الإعلام عن الحديث عنها.

ويعتبران أن الأزمة التي تلوح في الأفق تقوم على خلفية أشكال اختلال التوازن العالمية وواقع إنهاك النموذج ـ النمط ــ الإنتاجي المهيمن. ثم الإشارة الى أنها أزمة متعددة المظاهر ويتجاوز مداها جميع الأزمات التي شهدتها البلدان الغربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويلخّص المؤلفان الأزمة التي يتحدثان عنها بالقول أنها «أزمة حضارة».

التأكيد في السياق عينه على أن الديمقراطية الغربية جرى تفريغها عملياً، من كل مضامينها ومعاينها العميقة، من قبل عالم المال. أما الرهان الأساسي فيجده المؤلفان في ضرورة انتهاج سياسة يكون هدفها الأصلي والجوهري، الصالح العام، وليس تسوية الأمور عبر صفقات صغيرة بين الأصدقاء.

وأمام الحالات والأزمات المعقّدة، لا بد من البحث عن حلول معقّدة ومتنوعة وعملية. حلول تقوم بالدرجة الأولى على الحس السليم وإعطاء معنى يكون واقعياً جديداً، لمفاهيم "الأخوّة". وكذا جعل السياسة ومؤسساتها خاضعة للأخلاق، وإيجاد مؤسسات فعّالة وذات صلاحيات واسعة في مجال مكافحة أشكال الظلم الاجتماعي وإعطاء الأولوية للتصدي لمختلف المشاكل الاجتماعية والإنسانية.

 ويحدد المؤلفان، من أجل الوصول إلى هذا كله، شرطاً لا بد من توفره، وهو تجاوز الخلافات الإيديولوجية، والتوافق على ضرورة البحث من أجل إخراج فرنسا وأوروبا من براثن الأزمة. ويتم في هذا الإطار تحديد عدة مصادر أساسية تنبغي الاستفادة منها.

وأيضاً، يؤكد المؤلفان، وبالتوازي مع الابتعاد عن الخلافات والنزاعات الايديولوجية، على أنه ليس هناك حلول متحزبة وفئوية لمواجهة أزمة الحضارة، والتي يشرحان أن ملامحها تلوح في لوحة العالم القائم اليوم. ويدعو المؤلفان اللذان تجاوزا كليهما التسعين، بصوت واحد، إلى تبني "سياسة تنتزع المجتمعات الغربية اليوم، من حالة الوهن والخضوع القاتلين". ويضيفان: "إن إرادة الحياة تغذّي مفهوم العيش الهانئ، وهذا المفهوم وتلك الإرادة، يفتحان معاً طريق الأمل".

ويعود المؤلفان للتأكيد بأشكال مختلفة، على أنهما ليسا بصدد التفكير في تشكيل حزب جديد، ولا الانضمام إلى حزب قديم قائم، ولكنهما يعملان بدافع المساهمة في قيام سياسة خلاّقة، تعيد في الوقت نفسه، مجتمعاتنا وأنماط عيشنا، كما يكتبان في هذا «الكتاب- البيان»، الى وجهة سليمة تمهد الى فتح طريق الأمل، أمام هذه المجتمعات المهددة بأزمة حضارة، وكذلك فتح الطريق أمام الأجيال القادمة.

 

 

الكتاب: طريق الأمل

تأليف: ستيفان هيسل، ادغار موران

الناشر: فايار ــ باريس- 2011

الصفحات: 64 صفحة

القطع: الصغير

 

Le chemin de lصespérance

Edgar Hessel, Edgar Morin

Fayard - Paris- 2011

64 .p