«أنا أسود، هذا يبدو على وجهي. وأخوتي السود الذين أصادفهم في باريس ينادونني: أخي. فهل نحن بالحقيقة أخوة؟ وما الذي يجمع بين أسود من جزر الأنتيل وآخر من السنغال، وأسود من مواليد الدائرة العاشرة في باريس، إذا لم يكن سواد البشرة الذي يتم اختزالهم جميعاً فيه؟".

بهذه الكلمات يطالع الأستاذ في جامعة كاليفورنيا آلان مابانكو، قارئيه في عمله الأخير الذي يحمل عنوان «نحيب الإنسان الأسود». ويبدو هذا العنوان بمثابة ردّ على الكتاب الذي قدّمه قبل فترة، عالم الاجتماع والمفكر الفرنسي باسكال بروكنر، تحت عنوان «نحيب الرجل الأبيض».

إن الان بامانكو، المولود في الكونغو ضمن رازافيل في القارة الإفريقية، والذي أنجز دراساته في فرنسا، اختار أن يمارس مهنة التعليم في الولايات المتحدة الأميركية. لقد جمع إذن عدة روافد ثقافية وهو يناقش في هذا الكتاب الجديد مفهوم الهويّة.

ويحدد المؤلف الهوية بأنها لا تعود برأيه، إلى بلد المولد، ولا إلى صلة الدم. ولكنها تنتج بالأحرى من «خيار شخصي»، حيث يعتبر نفسه «فرنسياً قبل كل شيء». وهو يطالب دون تردد بمكانة كاتب باللغة الفرنسية، ذلك على أساس أن الموهبة هي التي تصنع الكاتب، واللغة هي الحامل لما يكتب. وإذا كان يرفض حتى الآنن الكتابة بإحدى اللغات الإفريقية، فهو يبرر ذلك بافتقارها للقواعد الضابطة، وقلّة عدد الذين يمارسون القراءة فيها.

وبالمقابل يشرح الان مابانكو، أنه لا يعاني من مسألة الحنين إلى إفريقيا، موطن ولادته، ولكنه يعاني من القلق. ذلك أن الإحساس بكونه كونغولياً وفرنسياً وأميركياً، في الوقت نفسه، أمر يجعله بلا هوية.

لكن في المحصّلة يعتبر نفسه فرنسياً ومقبولاً في الولايات المتحدة، ولكن الفرنسيين ينظرون إليه دائماً مثل "كونغولي ـ أو شيء من هذا القبيل". وهذا كلّه يدفعه إلى الإحساس العميق، بأنه لا يتعرّف على الانتماء الإنساني الذي يبقى دافعه العميق للكتابة.

تتمثّل إحدى الأفكار الأساسية التي تتردد في تحليلات المؤلف، في القول ان بعض المسائل المطروحة بقوّة تتعاظم شيئاً فشيئاً على ساحة النقاشات الفكرية والسياسية، مثل الأصل والعبودية والنزعة الاستعمارية والهوية، إنما هي أقل أهمية مما يمكن أن يفعله البشر الآن.

ويشير الى أن "الإنسان الأبيض"، يقوم منذ عقود بإعلان ندمه العميق، ويطلب "الغفران" حيال ما ارتكبه حلال الحقبة الاستعمارية، وذلك في ممارسة هي من نوع "جلد الذات"، التي يقوم بها الأوروبيون (المستعمرون السابقون لأوطان الأفارقة السود).

ست في فرنسا وأمارس التعليم في جامعة كاليفورنيا. أنا أسود وأحمل جواز سفر فرنسياً ولدي بطاقة اقامة خضراء ـ غرين كارد ـ أميركية. فمن أنا؟ من الصعب عليّ تحديد ذلك. ولكنني أرفض بقوّة أن أحدد نفسي بالدموع والنحيب". وبمعنى آخر يرفض الهوية الإفريقية بالصورة الشائعة، على أنها "هوية سوداء".

إن حياة مابانكو أخذت منحى جديداً في العام 2002، عندما جرت دعوته ككاتب في جامعة ميتشيغان في الولايات المتحدة الأميركية، ثم في جامعة لوس انجلوس، حيث يقوم بتدريس الأدب المكتوب باللغة الفرنسية.

ويشير المؤلف الى أن العديد من عازفي الجاز الأميركيين، قدموا للعيش في باريس هرباً من التمييز العنصري، وأن باريس عرفت تعيين وزراء سود في حكوماتها، قبل وصول باراك اوباما إلى الرئاسة الأميركية بسنوات طويلة.

ويشن الان مابانكو هجوماً عنيفاً ضد الخطاب الشائع قي أوروبا، حيال الهجرة والمهاجرين، خلال العقود الأخيرة. ويرى أن مثل هذا الخطاب أدّى إلى نسيان مبدأ المساواة التي يضمنها الدستور في بلد مثل فرنسا.

ويعلن في السياق نفسه، أسفه كون المناهج المدرسية لا تتعرّض سوى قليلاً لمسائل الاستعمار والحقبة الاستعمارية، من حيث تأثيرها على الشعوب الإفريقية. ولكنه لا يقوم بنوع من "الجلد الذاتي" و"النحيب"، ولكن باسم المطالبة بالتعرّف أكثر على التاريخ الأوروبي ـ الإفريقي.

وكما يوحي عنوان الكتاب، فإن المؤلف يعلن على مدى صفحاته، رفضه القاطع لجعل الآلام التي ولّدتها تجارة العبيد والاستعمار لدى الأفارقة، أحد ركائز الهوية المشتركة بينهم. ويؤكّد أنه بعد سطوع شموس الاستقلال، لم يصبح الأفارقة أسياد مصيرهم أبداً. وذلك أن ضميرهم بقي مستعمَراً . وأمّا حصّتهم من المسؤولية فقد بقيت مسألة محظورة لدى الأفارقة الذين يرفضون النظر في المرآة.

 

 

الكتاب: نحيب الإنسان الأسود

تأليف: الان مابانكو

الناشر: فايار- باريس- 2012

الصفحات: 184صفحة

القطع: المتوسط

 

 

Le sanglot de lصhomme noir

Alain Mabanckou

Fayard - Paris- 2011

184 .P