يقدم كتاب «أقنعة نجيب محفوظ» لمؤلفه الدكتور خالد عاشور، مجموعة منوعة ومهمة من الشهادات والوقائع والتفاصيل، حول حياة الأديب الراحل نجيب محفوظ. ويبين المؤلف أنه تقول الكاتبة والأديبة نوال مصطفى، في هذا السياق :"نجيب محفوظ كان ولا يزال هو الأديب العربي الوحيد الذي حصل على أكبر وأهم وأرفع جائزة أدبية في العالم، جائزة نوبل في الآداب عام 1988" .
وتلفت إلى أنه كثيرة هي الكتب التي تناولت أدب نجيب محفوظ ومراحله الإبداعية وغاصت في تقديم أشكال عدة من النقد الأدبي والقراءات المختلفة لأعماله، ومع ذلك يبقى عالم نجيب محفوظ حافلاً بالمفاجآت. وكما تقول: "محتملاً لقراءات جديدة، وتأويلات حديثة في سياق تاريخي مختلف بواسطة قراء ونقاد من الشباب الذين يقرؤونه ــ ربما ــ لأول مرة، ويكتشفون كنوز إبداعه النفيسة التي تزداد قيمة، وعمقاً مع السنين، شأن كل إبداع عظيم".
كما يدرج الدكتور خالد عاشور في تقديم الكتاب، أهمية متابعة الكتابة والبحث حول شخصية أديب نوبل، ويقول : "..إن الحاجة ما زالت ماسة إلى تقريب أدب هذا الرجل إلى القراء، خاصة الشباب منهم؛ تلك الفئة التي تخطفتها وسائل التكنولوجيا الحديثة وصرفتها عن "الكتاب".
وحدَّت من أثره فيهم كوسيلة من وسائل المعرفة والتثقيف والترفيه. أو اكتفوا من أدب الرجل بمشاهدته عبر وسيط تعبيري آخر كالسينما أو التليفزيون، وهو ما أحدث عند البعض منهم نوعاً من التشبع والاستغناء.. أذكر أنني سألت بعض طلبتي عن رواية "ميرامار" هل قرؤوها - ونحن بصدد دراستها ؟
فقالوا لي:"احنا شفناها في الفيلم". غير منتبهين إلى أن الرواية المكتوبة فنٌ، والفيلم المأخوذ عنها فنُ آخر مختلف، كلٌ له أدواته وطرائقه ووسائله في التعبير". ينقسم الكتاب إلى 12 فصلاً، وأبرزها: نجيب محفوظ ماذا فعل النقاد به؟، لغز السراب، عباءة أولاد حارتنا، مرحلة الحرافيش ومشكلة المرايا، الحلقة الناقصة في أدب نجيب محفوظ، برجوازي أم اشتراكي أم اسلامي؟، كاتب البرجوازية.
ويبحر القارئ، مع تلك المحاور، في تفحص وتقليب اوجه حياة وابداع نجيب محفوظ، كما يغوص في عوالمه الإبداعية، وفي مخزون أدبه الجميل، منتقلاً الى خريطة توضيحية شاملة، تكشف له عن شخصية الإنسان والمبدع لدى الأديب الراحل نجيب محفوظ. وتتناسب طبيعة الموضوعات والمحاور المطروقة، ضمن الكتاب، مع مناسبة مئوية نجيب محفوظ، وهو يجعل الاحتفال بذلك، فرصة استزادة معرفية عن حياة الأديب الراحل.
ويطلعنا مؤلف الكتاب على حقيقة انه كانت نشأت مسلمة التي تعد الأشهر من بين مسلمات نقاد نجيب محفوظ، في أحضان النقد الايديولوجي، فارتبطت بهذا النقد، بجعل أدب الكاتب عنواناً يسمي طبقة بعينها، هي الطبقة البرجوازية.
ويشرح المؤلف عن حياة المجتمع المصري وطبقاته، وارتباط أدب محفوظ بذاك الواقع، مبيناً ان طبقة ثورة الأفندية التي اشار اليها، بدأت تتسع فأخرجت المدارس والجامعات عدداً كبيراً من أبنائها، فاحتلوا مكانة في دواوين الحكومة المختلفة إذ فتحت الثورة امامهم أبواب الوظائف والمناصب الحكومية بعد أن كانت في يد الأجانب.
ولكن سرعان ما وقعت هذه الطبقة في أزمة كبيرة منذ أن تعرض المجتمع لأزمة اقتصادية شهيرة، وهي التي حدثت ما بين 1930 و1934، والتي ظهر أثرها الأكبر على أبناء الطبقة الوسطى التي عانت من هذه الأزمة عناءً كبيراً، إذ كثر العاطلون عن العمل بين أبنائها، فقد أغلقت الحكومة تحت ضغط الأزمة باب الوظائف العامة، وأصبح الموظفون مهددين بقطع رواتبهم الضئيلة.
والتي لم تكن تكفي للحصول على القوت الضروري. ويبين المؤلف انه حينها، ظهر نجيب محفوظ في قلب هذه الأزمة التي عاشتها تلك الطبقة التي ظلت تتعثر في آلامها وأمراضها، وتتلقى الضربات المتتالية منذ ذلك اليوم، ومروراً بالحرب العالمية الثانية، وتوابعها من مشاكل وأزمات. ومن هنا لم يكن الكاتب الراحل، قادراً ــ كما يرى النقاش ــ على تجاهل هذه الأزمة،
وما عرض له النقاش يمثل التطور الاقتصادي لهذه الطبقة، وارتباط ذلك بانعكاس شفاف في ادب نجيب محفوظ. وينتقل المؤلف ليذكر جملة أحداث وقضايا في هذا الخصوص، أثرت في حياة نجيب محفوظ، وتجسدت في أدبه. وأبرزها التطور السياسي لطبقة ثورة الأفندية في المجتمع المصري، في تلك الفترة، ويرصد عبد العظيم أنيس، ذلك :
"قضى سعد زغلول على حزب الطبقة العاملة المصرية بالمحاكمات الشهيرة، سنة 1924 ثم طرد الإنجليز والملك فؤاد، سعد زغلول من الحكم .. وجاءت أجهزة المخابرات الأجنبية.. وحتى حزب الوفد الذي علقت عليه الجماهير آمالاً عريضة، فشل في قيادة الكفاح الوطني بمساومات معاهدة 1936 التي أخذت البرجوازية بمقتضاها، نصيباً كبيراً في أجهزة الدولة، نظير أن تبقى مصر منطقة نفوذ بريطاني".
الكتاب: أقنعة نجيب محفوظ
تأليف: الدكتور خالد عاشور
الناشر: سلسلة «كتاب اليوم» ــ دار أخبار اليوم ــ القاهرة 2012
الصفحات: 165 صفحة
القطع: المتوسط
