يعد كتاب «تجارب في الإبداع العربي» قفزة طموحة للإحاطة بتجارب مهمة في الإبداع العربي، بفنون السرد منذ ظهور أول رواية عربية، وواقع الشعر العربي الآن، بالإضافة إلى الاحتفاء بالفنون التشكيلية.. باعتبار الإبداع هو عصب الحياة، ونسيج التطور، والمساهم الأصيل في تقدم الأمم. وكما نقرأ في تقديم الكتاب، أنه يطرح مجمل ما تم مناقشته في الندوة الموثقة التي قامت عليها مجلة العربي عام 2009.
ربما من الوهلة الأولى نرى أن كل محور قد يحتاج إلى عدد من الكتب حتى يقترب من الصورة الحقيقية، التي يرجو القارئ الطامح للتعرف عليها. كما تلاحظ اندغام فن «الفن القصة القصيرة» ضمن أحد المحاور! أما وقد نال التشكيل محورا، فأين فنون الحركة والصوت (سينما، مسرح، موسيقى.. وغيرها)؟ قد يكون المبرر أن نشاط مجلة العربي (منظمة الندوة وناشرة الكتاب) ضمن فنون الكلمة.ونظر جابر عصفور إلى التحديات التي تواجه المبدع العربي، بداية من سعة الأفق الإبداعي في العالم، وأهمية ملاحقته للمبدع الجاد.. هناك التحديات الخاصة به والمتمثلة في مشكلات التخلف، غياب الشفافية، رفض الاختلاف، النظرة المستريبة للإبداع، وغيرها.
بينما توقف «د. محمد برادة» رغبته نحو إعادة صوغ الإشكالية، حيث رصد رواجا في الإبداع على الرغم من الظروف المعاكسة، لذا يدعو إلى لا محدودية الفكر والفعل والإبداع وقوة المتخيلة، حتى يتمكن المبدع العربي من رسم صورة مغايرة.
كما جاء بحث «د. عبدالله إبراهيم» راصدا لحال الرواية العراقية، التي بدت مع حالة المنفى التي عاشتها الأجيال الأخيرة من المبدعين العراقيين، حالة ملهمة للعديد من الأعمال الروائية. في مقابل د. عبد الرحيم العلام الذي رصد الرواية المغاربية الجديدة التي تتسم بالغرائبية، والسير الذاتية، والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة..
فيما جاءت الرواية الجزائرية الجديدة (بعد الأحداث الدموية في 1988) منقطعة الصلة عما قبلها من الواقعية الاشتراكية، وفاضحة للواقع الاجتماعي. وقد قدم «فخري صالح» صورة الرواية الفلسطينية، وخصوصا «غسان كنفاني» كمعبر ثوري وفني عن مجمل قضايا الواقع الفلسطيني، وان لم يغفل «جبرا إبراهيم جبرا» و«اميل حبيبي» و«سحر خليفة» وغيرهم.
بينما تقول «د.ماري تريز عبد المسيح» عن الأدب العربي المكتوب بالإنجليزية، أنه جغرافية متعدية للحدود، كما في كتابات «إيهاب حسن» و«ادوارد سعيد»، التي فيها الكاتب فاعلا ومفعولا به..
تلك الحالة التي خلقتها معايشة ثقافتين مغايرتين في وجدان الكاتب. كما انتقل «محمد شاهين» إلى مشاكل الترجمة، بحسب أن الترجمة هي الوسيلة الفاعلة لنقل الإبداع من والى المبدع العربي، منها: غياب خطة للترجمة، إهمال خصوصية الترجمة الأدبية بينما تدرس إلى جانب الترجمة العلمية والتجارية وغيرها، وبالتالي عدم النظر إلى خصوصية المترجم الأدبي، النظر إلى الترجمة الأدبية الأولى على أنها الأخيرة (مثل ترجمة العلوم).
وقد انشغل «د. سعد البازعي» بقصيدة النثر وعبء الموروث والعالم، ذلك الذي بدأ بحثه بالقول انه قد يعترف البعض بمشروعية قصيدة النثر، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر انتشارها»، الطريف أن البحث ضمن محور حول الإبداع الروائي، وليس بمحور الشعر! كما جاء المقال الثالث بالمحور، شهادة «طالب الرفاعي» حول تجربته الإبداعية.
وتناول «د.بن سالم حبيش» تجربته في رواية «أبو الوليد بن رشد» أنموذجا لإنتاجه، وراهن «د. قاسم عبده قاسم» أن رواج الرواية التاريخية هو رواج للرواية كجنس أدبي فاعل، وتأملت «د. هالة أحمد فؤاد» المتخيل الروائي بين التاريخي والميتافيزيقي، وان أقرت بأن ما لديها من أسئلة أكثر من الإجابات التي يمكن طرحها في البحث.. هل التاريخ يباغت المبدع بما فيه من مفارقات ميتافيزيقية؟ أم أنه التباس في رأس المبدع؟
وحول الفنون الجميلة، حيث تحدث «سامي محمد» عن بحثه عن الإنسان في أعماله.. بينما جاءت أعمال «حسان بورقية» محاولة للبحث في المكان، وقالت «هند عدنان» بأهمية الواقعية السحرية في الفن التشكيلي، وإقناعها بهذا الاتجاه. ويلاحظ توافر العديد من الصور التي تتضمن أعمال الفنانين ملحقة بالمقال.
وتناول «محمد على شمس الدين» بعض الأصوات الشعرية الجديدة، وهو لا يتناول أصواتا شابة كما قد يتبادر إلى الأذهان، بل هو يتوقف أمام الأصوات التي جددت في الشعرية العربية، مثل «نازك الملائكة» و«صلاح عبدالصبور»، وجماعة مجلة «شعر».. وغيرهم. وتوقف «د.صلاح فضل» أمام أهمية وخصوصية تجربة مسابقة «أمير الشعراء» باعتبارها زكت الجمهور العادي بدائرة الشعر، بعد أن كاد يقل جمهوره، واستدل بذلك أن مشاهدي الحلقات الأخيرة المذاعة على شاشة التليفزيون بلغ ثمانين مليون مشاهد. ثم عرضت «سعدية مفرح» لتجربتها الشعرية، مع شهادة «صلاح دبشة» وقدما عناصر المكونات الشعرية التي شكلتهما.
الكتاب: تجارب في الإبداع العربي
الكاتب: مجموعة كتب
الناشر: مجلة العربي الكويت 2009
الصفحات: 368 صفحة
القطع: المتوسط
السيد نجم
