هي ليلة من ليالي العمر.. تغزل فيها الطرحة التُلّي فرحة العروس، على دقات القلب والدفوف ونثر الزهور وماء الورد تكون أولى خطوات العروس وعريسها لحياة جديدة طالما داعبت خيالهما الأحلام الممزوجة بواقع جميل ورائع.
مظاهر الأعراس متعددة.. والفرحة واحدة.. ما زال الجواد الأبيض ـ كما صورته الأساطير ـ هو بطل أحلام العروسة والعريس، عندما يخطفها حبيب العمر على جواد أبيض جامح يطير بهما في البعيد يتوج حبا طال واشتياقا لتكوين أسرة صغيرة تدوم وتدوم.. فإذا كان الحب والفرح وجهين لعملة واحدة.. فما هي مظاهر الأفراح في العالم؟
عندما يكتمل البدر ويرسل بشعاع فضي ناعس من السماء للأرض تطلق الدفوف والزغاريد، ويجئ بالعريس الذي يخرج من مركب مزدانة بزهور اللوتس تشق مياه النيل في مصر القديمة، ليسلمه حكيم الحكماء الفرعوني عروسه في أجمل صورة اشتركت في تزيينها ما لا يقل عن مئة من فراعنة النساء، بالكحل تحدد العيون فيزداد بريق الفرح وبقشور الرمان تجمل الوجنتين فتزداد حمرة الخجل، وبالحناء ترسم زهور اللوتس على امتداد جسم العروس، وببرادة الذهب يجمل الشعر الأبنوسي الأسود المنسدل كستار معبد مقدس يفرح في خشوع ويتمنى أن يدوم الحب وتطول الأيام.
قلائد من الذهب المطعم بالفيروز الذي يصد عيون الحاسدين يزدان العروس والعريس، وسط احتفالية ليس لها مثيل تبدأ الطقوس تحت شعاع القمر الذي يعتقد الفراعنة بأنه يبارك الزواج. تنثر زهور اللوتس البيضاء والقرنفل بكل ألوانه على مياه نهر النيل الذي يقدم رشفة منه في كؤوس من الذهب الخالص مضافا إليها ماء الورد وخلاصة الزهر للعروسين وهي رشفة ـ كما يعتقد الفراعنة ـ بأنها تدوم معها الحياة الزوجية وتمنع عنهما كل شر.. هكذا يعتقدون.. وهكذا يفرحون.
وماذا عن صعيد مصر؟
ثلاث ليال تُحضر فيها العروس لليلة الفرح والزفاف، تقوم «الماشطة» وهي الاسم القديم لمصفف الشعر في عهدنا الحديث ينقع العروس في ماء دافئ مضاف إليه رحيق الصبار الذي يُجلي البشرة ويضفي عليها النعومة والجمال، ثم تقام ليلة الحناء تجتمع فيها بنات الأسرة يقومون بالرقص والزغاريد أثناء وضع الحناء على الشعر المجدول في ضفيرتين لا تنفك إلا بعد ليلة الزفاف، ثم تنقع قدمي العروس في ماء به خضرة كالجرجير والبقدونس وسنابل القمر الذهبية وبعض من أوراق شجرة «أم الشعور».
وهي شجرة عملاقة تتدلى بفروعها وأوراقها التي تشبه الشعر الطويل المنسدل على ضفاف الترعة وضفاف النيل، وهو اعتقاد مصري قديم في الصعيد «الجواني» بأن الأخضر والماء يجلبان الزرق.. وطوال مدة كتب الكتاب تضع العروس جزءا صغيرا من قمع السكر تحت لسانها حتى تكون حياتها «حلوة» مع زوجها، ويفتح المصحف على رأسها حتى تهتدي و«يهدئ سّرها» كما يقولون في الأمثال «ربنا تهدي سرك لا ست العرايس»®.
وسط مشاعل النار وطلقات البنادق تزف العروس وسط الزغاريد وقرع الدفوف والغناء الفولكلوري الصعيدي ليسلمها والدها «لزين الرجال» الذي يرتدي الجلباب و«اللاسة» الحريرية، وعندما يرمق بطرف عينيه عروسته في ثوبها الأبيض والطرحة التلّي، يمسح على شاربه الذي يزيده رجولة، وهي عادة من عادات «الصعايدة» في مصر، أما حجرة العروس، فتقوم والدتها وجيرانها بإطلاق البخور فيها وقراءة القرآن، وينثر ماء الورد على غطاء السرير الزهري اللون المصنع من قماش الساتان.
وتوضع صينية نحاسية مستديرة كبيرة الحجم عليها عشاء «العرايس»، والمكون من الرقاق والبط المحمر والحمام المحشي والأرز المعمر داخل البرام على الطريقة الصعيدية المعروفة، والفطير المشلتت والعسل والقشدة، وبعد الزفاف يفتتح العريس العشاء وتطلق أعيرة نارية وزغاريد النسوة.. وكلمات التهنئة بزواج سعيد وعمر مديد وذرية صالحة تملأ الدار.
وماذا عن المغرب العربي؟
طقوس أشبه بالأساطير القديمة، يقام العرس على امتداد ثلاث ليالٍ متتابعة، يبدأ الرجال بتزيين العريس الذي يبدأ بأخذ حمام مغربي وسط البخار حتى تتنفس كل خلايا الجسم ويخرج منها كل الشوائب ـ هكذا يعتقد المغاربة ـ ثم يدهن جسم العريس بماء الورد المركز من الرأس للقدمين ثم يبدأ في اليوم الثاني بالعناية بالشعر الذي يصفف على طريقة «الكاريه» ثم في اليوم الثالث يرتدي العريس الزي المغربي الشهير ويضع على رأسه الطربوش المغربي ويركب فوق سلّة عملاقة مصنعة من الخيزران الصلب والمزينة بالزهور ذات الألوان الزاهية.
ويحمل العريس داخل السلة أربعة من الرجال الشباب من أسرته وسط الزغاريد والأغاني الشعبية المغربية والرقصات الفولكلورية الرائعة، أما العروس يقوم بتحضيرها ثلاث نساء.. والدتها وخالتها وجدتها إذا كانت على قيد الحياة.
تبدأ الطقوس بحمام مغربي لفتح المسام ويمسح على شعرها وجسدها برائحة الياسمين المركزة.. يصنف شعرها ويبدأ الفرح على امتداد ثلاث ليال ترتدي العروس في كل ليلة فستان زفاف مختلف، يقدم في الأفراح المغربية الكُشكي المغربي الأصيل في «الطاجين» وهي طواجن من الفخار الحراري الملون والمنقوش يدوياً بنقوشات رائعة، وهو غالي الثمن ويعتبر من القطع الفنية المغربية ويتصدر قائمة جهاز العروس.
ومن المعتقدات والشعبيات المغربية أن يتصدر المهنئين في ثالث يوم في الفرح نساء حديثات الزواج يشترط أن يكن في الشهور الأولى من الحمل، حتى يكون فأل خير وطيب على العروس وتحمل سريعاً مبرورها.
في الشام.. للأفراح جمالها وطقوسها ووقارها سواء في القديم أو العصر الحديث، قديما كانت العروس تزف وسط أشجار الزيتون التي تعكس التفاؤل وسعادة العروسين بما لهذه الشجرة من خصوصية خاصة في بلاد الشام وفلسطين، تقدم الذبائح وسط الزغاريد ودق الدفوف وإطلاق أعيرة نارية في الهواء وسط رقصات الدبكة وغيرها من الرقصات الجماعية الشهيرة في بلاد الشام، ويقوم شباب أسرة العريس بحمله على الأكتاف وطلعة لأعلى ثم احتضانه ليبدأ الرقص الجماعي في دائرة كبيرة والعروس تزف لعريسها وسط زغاريد النساء وتبريكات الأهل والأصدقاء.
في عربة الحنطور السوداء يزف العريس والعروس على امتداد كورنيش الإسكندرية المتعرج الرائع، ولفيف من عربات الحنطور المزينة بالزهور تسير بهوادة على أنغام الزفة الاسكندراني «بسم الله الرحمن الرحيم نبدأ الليلة»®. من المرسي أبو العباس حتى منطقة أبو قير وهي زفة شعبية رائعة، انعكست في الأفلام والدراما المصرية كنموذج فولكلوري لهذه المدينة الساحلية التي تغزل الفرح مع كل موجة من المتوسط وكأنه يشارك في تظاهرة فرح وحب.
للأفراح أغانٍ خاصة جداً، في مصر وكل الدول العربية وأيضا العالمية، مثل أغنية «دقوا المزاهر.. يا أهل البيت تعالوا» من غناء فريد الأطرش.. و«طالعة من بيت أبوها رايحة لبيت الجيران» وهي أغنية شعبية لفرق مصرية قديمة، و«اتمختري يا حلوة يا زينة.. يا طالعة من جو جنينة».
من غناء فرق مصرية وأيضاً تغنت بها منيرة المهدية وهي ترقص الرقص المصري «البلدي» وعلى رأسها الشمعدان، وشابات الأسرتين ينثرون العملات الذهبية والزهور أمام زفة العروسين، ودموع الفرح تلتمع في ليلة العمر، ويدق القلب فرحاً وتأثراً بترك «آخر العنقود.. سكر معقود» وهي كناية عن الابنة الأخيرة والصغرى في الأسرة التي تذهب لبيت زوجها.
في عمان.. عراقة الأفراح تفرض حضورها الرائع، فهي مزيج جميل من الفرح على الطريقة التقليدية ـ الشعبية من إطلاق أعيرة نارية ـ وقرع الدفوف وإطلاق الزغاريد، والوصايا العشر التي تنصح بها الحيرة والأم العروس الصغيرة لتكون حياتها حب ومودة وجمال ونور ـ إلى الأفراح الحديثة في فنادق خمس نجوم وقاعات كبيرة يزف إليها العروسان، ورقص شرقي عربي وتانجو كلاسيكي على أنغام «الدي جي» الصاخبة.. وخراف محشوة تملأ البوفية ومنسف وطيور مخلية وحلويات عربية وتورتة العروس البيضاء زهور وردية.
والأفراح تأخذ مساحة من الدراما والأفلام العربية منها «أم العروسة» بطولة تحية كاريوكا وعماد حمدي، يعكس الأفراح المصرية التقليدية التي تقام في منزل العروس، وهو يجمع فيما بين الدراما الواقعية والكوميديا، ويعتبر تسجيلاً لمرحلة الأربعينات من القرن الماضي في إطار الأفراح المصرية في الطبقة ما دون المتوسطة.
إذا كانت الفرحة واحدة والطقوس مختلفة، فيزخر الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا بالعديد من غرائب طقوس الأفراح، ففي الصين وفي العاصمة بكين بالتحديد عادات وتقاليد غريبة حقاً ـ فلابد للعروسين تفاؤل كل منهما لأربع بيضات مسلوقات في الشاي الأسود وتفاؤلهما مع ماء الشاي الذي تم سلق البيض فيه، تقدم أم العريس البيض للعروسة، وتقدم أم العروسة البيض للعريس، اعتقاداً بتبادل المحبة.
ومزيد من الخصوبة لكل منهما.. أما الفرح نفسه فهو يتأرجح ما بين التقليدي والحديث، ويزف العروسان وسط زخم من الزهور وسط الطبيعة الرائعة، وتكلفة الأفراح في الصين بصفة عامة تصل إلى 645. 53 ألف يوان صيني (يوان: العملة الصينية).
أما في جزيرة جاوه الاندونيسية، فتقوم العروس بغسل قدمي الزوج بماء المحيط عدة مرات ككناية لاستعداد العروس (الزوجة) أن تقوم على خدمة زوجها العمر كله، ويقوم الزوج بدوره بنثر العطر المقطر من الزهور على رأس العروس ككناية لرعايتها طوال العمر بكل الرضا والمحبة، ثم يجلسان وسط الحضور بزي اندونيسي تقليدي باهظ التكلفة.
أما في اليابان، فتقوم العروس بخدمة زوجها خلال مراسم الفرح، فهي التي تقدم له الطعام والحلويات، وهي في أحلى أزيائها التقليدية ـ وسط تصفيق الحضور، وهي بذلك تعكس حكاية «الزوجة سوشي» ذات الوفاء الأبدي لزوجها.
أغاني الأفراح
للأفراح أغانٍ خاصة جداً، في مصر وكل الدول العربية وأيضا العالمية، مثل أغنية «دقوا المزاهر.. يا أهل البيت تعالوا« من غناء فريد الأطرش.. و«طالعة من بيت أبوها رايحة لبيت الجيران» وهي أغنية شعبية لفرق مصرية قديمة، و«اتمختري يا حلوة يا زينة.. يا طالعة من جو جنينة»، من غناء فرق مصرية وأيضاً تغنت بها منيرة المهدية وهي ترقص الرقص المصري «البلدي» .
وعلى رأسها الشمعدان، وشابات الأسرتين ينثرون العملات الذهبية والزهور أمام زفة العروسين، ودموع الفرح تلتمع في ليلة العمر، ويدق القلب فرحاً وتأثراً بترك «آخر العنقود.. سكر معقود» وهي كناية عن الابنة الأخيرة والصغرى في الأسرة التي تذهب لبيت زوجها.
أغاني الأفراح
للأفراح أغانٍ خاصة جداً، في مصر وكل الدول العربية وأيضا العالمية، مثل أغنية «دقوا المزاهر.. يا أهل البيت تعالوا« من غناء فريد الأطرش.. و«طالعة من بيت أبوها رايحة لبيت الجيران» وهي أغنية شعبية لفرق مصرية قديمة، و«اتمختري يا حلوة يا زينة.. يا طالعة من جوة جنينة»، من غناء فرق مصرية وأيضاً تغنت بها منيرة المهدية وهي ترقص الرقص المصري «البلدي» وعلى رأسها الشمعدان.
وشابات الأسرتين ينثرون العملات الذهبية والزهور أمام زفة العروسين، ودموع الفرح تلتمع في ليلة العمر، ويدق القلب فرحاً وتأثراً بترك «آخر العنقود.. سكر معقود» وهي كناية عن الابنة الأخيرة والصغرى في الأسرة التي تذهب لبيت زوجها.
العروس بكل جمالياتها
«وايدنج إتيكيت» هو اسم أحدث كتاب في مجال التحضير اللائق والحديث مصحوب بكل طقوس الإتيكيت في هذا المجال، وهو كتاب يقع 399 صفحة من القطع الكبير للمؤلفة الأميركية «باجي بوست» Paggy Post حقق أعلى نسبة مبيعات. توضح الكاتبة بأن العروس بكل جمالياتها وتورتة الفرح هما وجهان أساسيان في اتيكيت الأفراح.
فهناك زفة للعروسين وزفة أخرى لتورتة الفرح التي توضع فوق «ترابيزة» متحركة بالريموت كونترول (التحكم عن بعد) يقوم بهذه المهمة «المتردي تال»، أي منظم الحفل في الفندق، ويكون حجم التورتة مناسباً لحجم القاعة وعدد الحضور، وتزين بالزهور الطبيعية والزهور المصنعة من الحلوى الملونة.
ومن حيث الشكل فقد تطور شكلها حديثا ليأخذ شكل ناطحات السحاب أو المنازل الريفية في الريف الفرنسي أو برج من الأبراج الشهيرة كبرج إيفل الفرنسي أو سور الصين العظيم أو الأهرامات، وهنا دلالة على أن التورتة من «عجائب الدنيا السبع» أيضاً. وتقام زفة التورتة وسط مشاعل يحملها الندلاء مع موسيقى الأفراح الغربية المعروفة التي تصاحب أغنية الفرح «هنا تأتي العروس».
منى مدكور
