تعكس رحلة الإماراتي مصطفى الياسري، في الفن والإعلام، منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وحتى الآن، خصوصية تجربة فنان عصامي، بدأ من أدائه لأدوار في الإعلانات التلفزيونية في المنطقة، متابعاً محطات ارتقائه، ليفوز عام 1999 بجائزة أفضل «موديل» في الشرق الأوسط، ثم شارك في أفلام الإعلانات التي تصورها كبريات الشركات العالمية، لينطلق بعدها إلى التمثيل والعمل كمستشار ثقافي وفني، ضمن أفلام هوليوود ، سواء التي صوّرت منها في بلدان عربية كالمغرب، أو في الإمارات.
«مسارات» التقى مصطفى الياسري والذي يشارك حالياً في إنجاز عمل فني، رفض الإفصاح عن اسمه أو موضوعه، نتيجة التزامه بعقد لا يسمح له بالتصريح عن مشاركته. وتحدث الفنان الإماراتي عن تجربته كفنان اختط معالم طريقه في عالم الفن، من مرحلة البدايات في سلم النجاح، فواجه العديد من الصعوبات.
وليصل بعد تراكم التجربة واكتساب الخبرة، إلى مكانة متميزة في عالم الفن، وليبدأ حصد ثمرة جهوده، راهناً، عبر حرص عدة جهات، على طلبه للمشاركة في المثيل ضمن أفلام عالمية. كما تناول اللقاء، محاور عدة، بدءاً من تجربته الفنية التي تزيد على ربع قرن، ووصولاً إلى مضمون قناعاته التي تبلورت من خلال سفره الدائم، وكذلك طبيعة تعامله مع شركات عالمية، ومواكبته للتطور التقني كأحد وسائل التواصل العالمي على الصعيد المهني والاجتماعي.
متى دخلت عالم الفن وكيف كان ذلك؟
كانت بداياتي مع أفلام الإعلانات عام 1986، حين كنت طالباً في المدرسة، ولم يتجاوز عمري آنذاك 14 عاماً. أما دخولي المجال، فكان عن طريق الصدفة، عندما ذهبت مع مجموعة من أصدقائي في يوم العطلة إلى حديقة مشرف في دبي.
وهناك أوقفني رجل إنجليزي وسألني بعربية ركيكة جداً، إن كنت أرغب المشاركة في إعلان تلفزيوني، مقابل مبلغ من المال، وحينما سألته، غير جاد، كم سيدفعون إذا تم اختياري ؟ قال 500 درهم. وكان هذا المبلغ في ذاك الزمن كبيراً، فوافقت بلا تردد.
وأول إعلان صورته، كان لشركة (كوكا كولا)، إذ لعبت فيه دور ابن عائلة. وكان مقر الوكالة آنذاك، في البحرية، وتألف كادر العمل من بريطانيين وإيطاليين. وكنت سعيداً بهذه التجربة التي فتحت لي باباً جديداً في الحياة، واستمرت عروض الإعلان، وتتابعت معها أسفاري إلى الخارج، لازداد خبرة وليرتفع أجري مع مرور السنوات. وسرعان ما أدركت أن النجاح في هذا الإطار لا يعتمد على الشكل الخارجي فقط، بل إنه مرتبط بالموهبة والالتزام والانضباط.
وهكذا حرصت على تعلم المزيد في كل تجربة. وكانت النتيجة أن أطول إعلان لا يستغرقني تصويره أكثر من 5 ساعات فقط، إذ تلعب عوامل الموهبة والجدية في العمل والخبرة، دوراً أساسياً في اختصار الزمن والتكاليف على المعلن.ولا أنسى فضل العديد من زملائي في بداية مسيرتي الفنية، وأبرزهم تاج السر محمود من تلفزيون عجمان الذي ساهم في توفير فرص العمل لي خلال عام 1987، حيث كان من مؤسسي مهنة الترويج للموديل في الإمارات.
أسفار وأعمال وثقافات
متى سافرت خارج الإمارات للمرة الأولى بهدف التصوير.. وما تأثير هذه التجربة عليك؟
أذكر أنني سافرت، للمرة الأولى، خارج دولة الإمارات من أجل إنجاز تصوير أحد الأعمال التي كنت اشترك بها، في عام 1996. وكانت وجهة السفر أميركا، وكان المردود المالي لـ" سفرة العمل" هذه، يمثل أكبر مبلغ احصل عليه في حياتي، آنذاك.
وكان قدره 22 ألف دولار أميركي، ذلك مقابل يوم عمل واحد. وما ساعدني على التقدم والارتقاء بهذا الشأن، رفضي توقيع عقد حصري مع أية وكالة لتمثلني، وهذا على الرغم من ارتفاع نسبة فرص حصولي على عمل خارجي.
اكتسبت الكثير من التجارب على صعيد السفر، ابتداءً بالتعامل مع شعوب من ثقافات مختلفة، ووصولاً إلى إدراكي أهمية إجادة لغة أجنبية وإتقانها. وهكذا تعلمت اللغة الإنجليزية خلال سفري الدائم ليقيني أنها مفتاح نجاحي الخارجي وتأسيس علاقات خارجية. كما ساهم حصولي على جائزة أفضل (موديل في الشرق الأوسط) عام 1999، في دعم مسيرتي الفنية على الصعيد المعنوي والمهني. أما السنة التي حققت فيها رقماً قياسياً في السفر، مقارنة بالسنوات الأخرى، فكانت 2008.
مرحلة مهمة
كيف ومتى دخلت عالم هوليوود؟
بدأ عملي مع شركة (وورنر براذر) عام 2004، من خلال صديقي وأخي المنتج المغربي زكريا العلوي، صاحب شركة (زاك) للإنتاج الفني، والذي ساهم في إنتاج 50 فيلماً عالمياً، ما بين أميركا والمغرب. وهو الذي رشحني للعمل معهم كممثل ومستشار ثقافي لفيلم (سريانا)، من إخراج ستيفن غاغهان، وبطولة جورج كلوني. والذي صورت بعض مشاهده في دبي.
كانت مشاركتي في الفيلم بمثابة قفزة نوعية لي، ومدخل إلى العالمية، والفضل في ذلك يعود إلى صديقي زكريا العلوي الذي تزيد تجربته في عالم سينما هوليوود على 35 عاماً. وأنا فخور بعملي في هذا الفيلم الأميركي الذي يقدم العرب، للمرة الأولى، بصورة إيجابية.
ولا أنسى كيف أصيب الممثل جورج كلوني خلال تصويرنا الفيلم، بحالة بتعب نفسي، حينما فاز الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في الانتخابات، وتوقف عن التصوير، خاصة وأن فكرة الفيلم تتمحور حول اعتبار النفط أغلى من حياة الناس.
وتوالت العروض، لأشارك لاحقاً في فيلم (عدوى) للمخرج ستيفن سودربرغ، والذي صور في المغرب وامريكا . وكنت فيه مســـــتشاراً فنياً عام 2010، ومن بين مهامي ضمنه، الإشراف على اللهجات العربية، ومنها اللهجة الإماراتية. كما شاركت في الجزء الرابع من فيلم (مهمة مستحيلة)، الذي لعبت فيه دور طبيب روسي .
مرحلة صعبة
ما أبرز الصعوبات التي واجهتك خلال مسيرتك الفنية؟
أصعب مرحلة واجهتها كانت عام 2003، حيث لم أتلق أي طلبات تدعوني للعمل مع جهة ما أو في فيلم محدد، وذلك مدة طويلة. ولم يتوفر لدي، آنها، أي مورد مالي لتسديد نفقات معيشة عائلتي. وفي تلك المرحلة عملت متطوعاً في أحد الأنشطة المحلية، مقابل مكافأة مالية تعينني على توفير الأساسيات الحياتية.
ولكنني خرجت من العمل مكسور الخاطر، في ليلة العيد، ذلك بسبب سوء فهم مع أحد الزملاء، وهكذا أغلقت جميع الأبواب في وجهي. ولم تدم فترة الإحباط أكثر من أسبوع، ليأتيني بعدها، عرض للعمل في فيلم (سريانا).
ما الذي تعلمته من أسفارك المتعددة؟
بعد مشاركتي في فيلم (سريانا) اتسعت اتصالاتي، فأصبحت أشارك في العديد من الإعلانات الخارجية والأفلام. وسرعان ما أدركت من خلال أسفاري الأولى، أننا جميعاً سفراء لبلدنا في الخارج. وغدت هذه المسؤولية جزءاً مني. وبات هاجسي، أينما ذهبت، نقل صورة إيجابية عن بلدي، مع إصراري على ارتداء زينا الوطني أنى توجهت، ذلك لنقل صورتنا بشكل حضاري، ولتغيير المفهوم المغلوط في الغرب عن ثقافتنا العربية والإسلامية.
ما مدى تفاعلك واحتكاكك مع مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية؟
بدأت معرفتي بموقع الـ(فيس بوك) من خلال حوار دار بيني وبين أحد الزملاء الأجانب (جو)، ضمن العمل في موقع تصوير أحد الإعلانات في دبي. وسألني جو، حينها، إن كان لدي حساب على موقع الفيس بوك، وحينما أجبت بالنفي، شرح لي عن هذا الموقع وميزاته وجدواه، ومن ثم اقترح مساعدتي في فتح حساب لي.
وبالطبع لم أدرك أهمية الفيس بوك وفوائد التواصل عبره، إلا بعد عامين، ذلك لدى استلامي لأحد عروض العمل من شركة إعلان من سنغافورة، تحديداً عام 2008، من خلال حسابي الخاص في موقع الفيس بوك. وهكذا بدأت التعامل معه بجدية ومهنية عالية لأضيف في حسابي ضمنه، نبذة تفصيلية عن سيرتي المهنية في الخارج والداخل، وأيضاً على صعيد التمثيل والإعلان.
وأما بالنسبة لعلاقتي بموقع (تويتر)، فهي كانت بدءاً من العام 2009، عندما سألني أحد الزملاء، عن سبب عدم استخدامي التويتر للتواصل السريع. وتطلب مني التفاعل والتواصل عبر هذا الموقع، بعد ان قررت ذلك، فترة زمنية تجاوزت العام الواحد، حيث لمست اهتمام الناس به وتواصلهم الدائم ضمنه، بأسلوب من المصداقية، بعيداً عن خصوصية الفرد، ليبقى التواصل بمثابة مرآة لنبض المجتمع واهتماماته،.
وليتمحور حول الفكرة ومناقشتها ومتابعة للأخبار المحلية والعالمية من الأفراد، في مواقع التواصل، إذ باتت تعد، وفي بعض الأحيان، أكثر مصداقية من الإعلام المرئي. وشخصياً، اصبحت من خلال تويتر أطمئن على أصدقائي في الخارج وأتواصل معهم بصورة دائمة.
واقع وضرورات
ما انطباعك عن الإعلام في الزمن الراهن؟
للصحافة المطبوعة عندي مصداقية أكبر من الإعلام المرئي، وارتباطي بها منذ أيام الطفولة، إذ كنت أجمع الملحق الرياضي الخاص بكل الصحف في الإمارات، لقراءتها. وكان الخبر فيما مضى، ينقل المعلومة من دون أية أهداف أخرى، حيث كان الصحافي وسيطاً لنقل المعلومة بنزاهة وأمانة.
أما الإعلام المرئي، وبنسبة غالبة (دون التعميم طبعاً)، دخل في لعبة التسويق الإعلاني والتجاري، بهدف جني الأرباح. وفي هذا المجال أود الإشارة إلى ضرورة الاستفادة من ذاكرة الإعلاميين المحليين وتجربتهم الغنية، التي تغيب، حالياً، عن الساحة.
كما لا بد لي من أن ألفت إلى أهمية دور جهات الإعلام فيما يتعلق بتصوير الأفلام الخارجية على أرض الإمارات، سواء في أفلام الإعلانات أو في الأفلام السينمائية الدرامية، وكذلك عدم الاكتفاء بكتابة تصاريح الموافقة استناداً الى ما يقدم من نصوص.
إن المتابعة الميدانية ضرورة ملحة للاطلاع على مدى مصداقية النص، وتفادي أية أخطاء تقع نتيجة الجهل بالمكان أو بالتراث والبيئة، إذ يصعب تلافيها مستقبلاً. ويمكن في هذا الإطار، الاستفادة من قدرات المتطوعين الذين يتم تدريبهم ضمن دورات مجانية، تساعدهم على خدمة بلدهم في هذا الشأن.
كما أود الإشارة إلى أن العاملين في مجال تصوير الإعلانات لا يزالون على الهامش. وما من جهة تحفظ لهم حقوقهم وأجورهم على صعيد علاقتهم بالجهة المنتجة، ومن أمثلة ذلك، تقاعس عدد من الشركات المحلية عن تسديد أجورهم في الموعد المتفق عليه، إضافة إلى ممارسات الشركات الوهمية بحقهم، والتي ضيعت حقوق الكثيرين.
مقومات واشتراطات
ما نصيحتك للشباب المهمومين برؤى وطموحات الإبداع والتميز؟
لا بد لشبابنا،العمل بمقتضى جملة مبادئ ومفاهيم، ستفضي في حال تسلحهم بها، الى توفير مقومات واسباب النجاح لهم، ومن بينها، التواضع والنزاهة وعدم التوقف عن تثقيف النفس وطلب المعرفة، وخصوصاً في مجال الإعلام والسينما والفن عامة، فالإعلامي والفنان، سفير للمعلومة التي ينقلها ولمجتمعه. كما أؤكد على أهمية التحصيل العلمي لدى الشباب، وضرورة أن يتموا مختلف مراحل دراستهم الجامعية، والتي تفتح لهم أبواب المستقبل والنجاح.
سيرة
بدأ مصطفى الياسري مشواره الفني، في أفلام الإعلانات عام 1980، حينما كان عمره 14 عاماً. وأول فيلم إعلاني صوره، كان لمنتج (كوكا كولا). ومن ثم سافر، للمرة الأولى، خلال تصوير عمل في عام 1996، فاز بجائزة أفضل (موديل في الشرق الأوسط).
وذلك عام 1999. وأول فيلم عالمي شارك به، كممثل ومستشار فني، كان في عام 2004 في فيلم سريانا. وأيضاً شارك في الجزء الرابع من فيلم (مهمة مستحيلة) في دبي عام 2010، كممثل ومستشار فني.
شارك بدور الراوي العجوز في مسرحية (عجاج 2020) عام 2010.
