أصبح الفنان اللبناني رفيق علي أحمد يحتل مكانة خاصة في الحركة المسرحية العربية عموما، والمونودراما منها خصوصا، فكل مسارح العالم العربي تشهد على مسيرته الفنية الحافلة بالعروض المسرحية الجماعية والفردية. بدءاً بالحكواتي، مرورا بتجربته مع الرحابنة، وليس انتهاء بأعمال مثل ( الجرس) و(الجرصة) و( الزواريب) و( قطع وصل).
يمكن تشبيه تجربة المسرحي اللبناني رفيق علي أحمد بصنعة النحاس، الذي يبقى يطرق المعدن الأصفر، بلا كلل أو ملل حتى يطوعه ويعطيه شكلا جماليا يساهم في الارتقاء بالذوق الفني عند المتلقي، والذي يشكل في المحصلة النهائية جزءا لا يتجزأ من ذلك المنتج الجمالي.
حيث يحرص الفنان، الذي اختارته مجلة فرنسية واحدا من الشخصيات المئة التي "تحرك" لبنان، على إشراك المتلقي في أي عمل مسرحي يقدمه، وذلك من خلال الغرف من الموروث الشعبي وتلمس هموم المواطن العادي.
فضلا عن استمزاج رأي الجمهور في أي عرض مسرحي يقدمه على الخشبة. ( مسارات) التقى رفيق علي أحمد، على هامش الدورة الخامسة لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، وأجرى معه حوارا تناول جوانب متنوعة من تجربته الفنية، في عمقها اللبناني والعربي.
كيف تصف الشخصية التي تجسدها في مونودراما ( قطع وصل)؟
إنها تنطوي، في الحقيقة، على مفاجأة صغيرة، ولكن ليس لدي شيء ثابت، فلقد جهزت للمسرحية (كاركتر) معين لشخص مجنون في المستشفى، وهو ممثل في هذه المسرحية ويمكن أن يكون له أي شكل، وليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بشكل معين، حيث تجري كل أحداث المسرحية في فترة زمنية واحدة، ويبقى هذا الشخص خلالها داخل غرفة في مستشفى المجانين، وهو يهذي .
"لحظة مسرحية"
من المؤكد أن أعمالك كأولادك، عزيزة على قلبك جميعها، لكن لا بد من وجود عمل أو أكثر تؤثره على غيره؟
مسرحياتي ليست مثل أولادي، فأولادي أعزاء على قلبي كثيراً، أما المسرحيات فتبقى كذلك، مع أني أنا من يكتبها ويمثلها وأحيانا من يخرجها، فضلا عن أنني أحب الشخصيات التي ألعبها. وفي أحيان كثير أكون جالسا في المقهى قبل أن أذهب إلى التمرين، فأشعر بشوق الى تلك الشخصيات، وكأن شخصيات هذه المسرحية أو تلك، أناس أشتاق لرؤيتهم على المسرح.
حيث أحاورهم و أسمع شكواهم، ولقد ذكرت هذا في مسرحية (جرصة) عن الممثل وكيف يشعر بالشخصيات ويشم رائحة عرقها ويشاهد لون عيونها.
وأقول في المسرحية ان هؤلاء الناس الذين أجمع أخبارهم وأعرضها في المسرح ويأتون ليستمعوا الي، يكونون سعداء عندما أخبر قصصهم، مع الأخذ في الاعتبار أنه في كل مسرحية هناك مشهد خاص بي، يعكس حالة انفعال خاصة بيني وبين تلك اللحظة، ففي كل مسرحية هناك دائما لحظة خاصة، وأنا لا أقوم بعمل المسرحية إذا لم أحس أثناء الكتابة بتلك اللحظة، التي أعتبرها مقياس جودة العمل المسرحي.
ارتباط
كيف تنظر إلى الحالة الراهنة التي يعيشها المسرح اللبناني؟
حالة المسرح اللبناني تأتي من الحالة الثقافية اللبنانية العامة، والحالة الثقافية اللبنانية تأتي من الحالة الثقافية العربية، فواقع العالم العربي السياسي والاقتصادي في هذه الايام يلقي بظلاله على الحالة الثقافية، وحين يكون الاقتصاد مزدهرا والمجتمع في أمان واطمئنان، فإن مثقفي هذا المجتمع ينتجون ثقافة، ويبدعون على جميع المستويات، بينما الحال في لبنان معروف. عندما تقرأ الوضع السياسي تعرف من خلاله الوضع الثقافي.
ما رأيك بموضوع لغة العرض المسرحي بين العامية أو الفصحى؟
أنحاز بشكل تام، إلى اللهجة العامية في المسرح، وأنا أرى أن اللغة الفصحى مخصصة للمهرجانات والاستعراضات والمسارح القومية من أجل الاعلام، لكن الأمر مختلف في المسرح، فمن المعروف، منذ أيام أرسطو وحتى اليوم، أن المسرح يقوم على مقولة ( أنا هنا والآن)، التي تأخذ في الاعتبار لغة الناس في الشارع، ففي المسرح يجب أن نتكلم لغة الناس في الشارع.
حيث يضاف إلى هذه اللغة المحكية، اللغة الابداعية واللغة المسرحية وعناصر العرض المسرحي الأخرى. والفنان هنا حر في أن ينتقي الأسلوب الذي يريده ويريحه. لقد مثلت مرة واحدة في فرقة الممثلين العرب على المسرح باللغة الفصحى، وكانت مسرحية تاريخية.
ذكرت ذات مرة أن التمثيل على المسرح بالفصحى هو نوع من النفاق ...
ليس إلى هذه الدرجة، لكنني أقول إنه إذا كان الفنان المسرحي صادقا مع نفسه وجمهوره، يجب أن يتكلم بلغتهم، وهو حر في أن يمثل بالفصحى أو لا يفعل..أنا لست ضده وإنما بالنسبة لي فإن المسرحي الحقيقي الصادق المتفاعل مع الجمهور، هو الذي يتكلم لغة الجمهور.
استثناءات وأسباب
ما مدى مساهمة النقد المسرحي أو النقد الأدبي عموما في الحراك المسرحي، في لبنان والعالم العربي .. هل هناك حركة نقدية حقيقية؟
هناك استثناءات في النقد ولكن لا أعتقد أنه يؤثر في الحراك المسرحي والثقافي، فالفنان يعرب عن شكره في الندوات التي تعقب العروض في كل المهرجات. ويعد بأنه سيأخذ بالملاحظات المطروحة فيها، ولكنه بالنهاية يفعل ما يريد هو. أعتقد أن الصحافة الصفراء مسيطرة على النقد في الصحافة العالمية.
هل يستخدم رفيق أحمد علي الدراماتورغ في أعماله المسرحية؟ أم يقوم هو بدور الدراماتورغ بنفسه؟
أنا ممثل مسرحي. ولم أدع يوما بأني كاتب أو دراماتورغ، مع أني أكتب كل مسرحياتي بنفسي، فأنا ممثل أكتب مسرحياتي، مثل المطرب الذي يكتب كلمات أغنياته، وأنا لا أكتب مسرحية وأنتظر من يأخذها ويمثلها على المسرح، إذ أكتب نصي وأصعد فورا إلى المسرح وأثناء الكتابة أكتب بطريقة عكسية لأنني مسرحي ودرست تخصص المسرح كما لدي خبرة وتجربة.
وأديت أدوارا متنوعة أمام جمهور مختلف في كل العالم العربي وأوروبا وأميركا ولعبت على المدرجات الرومانية وساحات الضيع، فأنا مسرحي وعندما أكتب أرى الممثل ما يفعل في هذه اللحظة فأقوم بتركيب الإخراج والتمثيل والنص، في آن واحد.
وسيلة تعبير
ما رسالتك في المسرح؟
هذه مهنتي التي أحبها، كنت أطمح أن أكون ممثلا وتحقق لي ذلك. عملي قليل في التلفزيون إلا في حال شدني موضوع له قيمة أحب المسرح وأعمل مسرح لمتعتي الشخصية ومن أجل العيش أيضا. المسرح ليس هدفا، إن المسرح هو وسيلة تعبير وعيش.
كيف صمدت في المسرح ولم تذهب إلى التلفزيون، كما فعل كثير من زملائك في لبنان والعالم العربي؟
لا شك ان ابرز الاسس الموجهة لسلامة وصحة سير نهجنا في الحياة، الأخذ بمبدأ ضرورة أن نتقن اي عمل نقوم به. .وأنا شغوف بالمسرح إذ أعطيته ذاتي وجوارحي وشغفي وأحيانا عرقي ودموعي وكذا دمي، حيث يمكن أن تجرح وأنت تعمل على خشبة المسرح. أقدم الموضوع بصدق.
وإذا ِشعرت بأن هذا الموضوع يتلقفه الجمهور وترى نفسها فيه، أخرج إلى الناس وأدعوهم إلى السهر والمشاهدة، فأنا فنان عضوي في قلب الجماعة، مثل الشاعر الجاهلي الذي عبر عن الناس في قصائده، فأحبته الناس وحفظت شعره . فكل الناس أحبتني إما من خلال كلامي ومقابلاتي ولقائي وأفكاري التي أطرحها أومن خلال المسرح الذي أقدمه. أنا أخلصت للمسرح فكافأني. وأنا أريد أن أعيش خبزي كفاف يومي والمسرح يعطيني خبزي كفاف يومي.
عروض تجارب
يقال بأنه يبقى لديك هاجس كبير حتى أثناء العرض وما بعد العرض الأول والثاني والثالث، حيث تقرأ وجوه الناس وردود أفعالهم إلى أن يستقيم العرض الأخير، فهل هناك عرض أخير ؟
إجمالا نعم، فعادة أقدم أربعة عروض في الأسبوع، وهذه العروض هي تجارب، فأنا أختبر هذا العرض مع الجمهور وآخذ ردود فعل الناس وايقاعات العرض ورأي الجمهور وليس النقاد، وخلال العروض الأربعة الأولى يمكن أن أضيف أو أختزل إنما في الاسبوع الذي يلي الأسبوع الأول للعرض يبقى النص كما هو ولا يتغير فيه شيء.
مستقبل ثقافة
كيف ترى مستقبل الحركة المسرحية في لبنان في ظل طغيان مخرجات الثورة التكنولوجية في وسائل الإعلام؟
هناك سحر في المسرح لا يمكن أن تعوضه أية آلة. ومستقبل المسرح هو مستقبل ثقافة أي بلد، لكن هذا المستقبل مرتبط بمدى استقرار الوضع في هذا البلد أو ذاك.
كيف تختار مواضيع أعمالك المسرحية؟
أستمدها من الناس، وهناك سؤال أساسي أقف عنده في كل مرة، وهو ماذا يريد المواطن أن يقول في هذه اللحظة، وما الذي يريد الناس أن يعبروا عنه فيها.
