قد يندهش البعض من هذا العنوان، ولكنها الحقيقة، ما هي؟ إن جنيف تدافع عن فئران تنزانيا بل وأكثر من ذلك، إذ تعمل من خلال جمعيات ومنظمات وروابط كبيرة على الاعتراض على قتل فئرانها أو التخلص منها. الشائع ان الفأر عدو الإنسان ولا يوجد حيوان آخر يثير فزعه واشمئزازه بل ان الفئران تنافس البشر في اقتسام الأرض ويقال أن مدينة باريس تختزن في سراديبها الجوفية ضعف سكانها، وهذا يعني أن عددها يصل إلى نحو عشرين مليون فأر. ولكن ما نتناقله عن هذا الحيوان المقزز والمثير لأعصاب الإنسان ليس بالضرورة صحيحاً.
من يستطيع أن يكره جيري في سلسلة أفلام والت ديزني؟ ومن لا يعجب بذكائه وفطنته ودهائه ونباهته التي تفوق ذكاء الإنسان؟ ربما يقول البعض إن صانعي أفلام كارتون هم الذين يضفون هذه «العبقرية» لفئران. هذا صحيح. ولكن ماذا يمكن أن نقول إزاء الفئران التي تكتشف الألغام؟
هل سمعتم بهذا الخبر من قبل؟! خاصة إذا ما علمنا أن هناك ملايين الألغام الشخصية المزروعة تحت الأرض وعلى سطحها والتي تودي بحياة الآلاف من البشر خصوصا الأطفال منهم ولم تفلح لحد الآن كل النوايا الحسنة للسيطرة على هذه الأزمة بل عجزت علوم الإنسان أن تكافح آفة الألغام التي لا نراها إلا عندما تنفجر وتوقع بالضحايا. ولذلك ارتأت الجمعيات والمنظمات الإنسانية اللجوء إلى الفئران لنزع تلك الألغام، ووجدتها الطريقة الأنجع في مكافحتها.
وقادت هذه التقنية الجامعة الزراعية في تنزانيا إلى تدريب فئران تكشف الألغام المدفونة تحت الأرض وبرهنت على أنها ذات كفاءات عالية في هذا المجال تفوق كثيراً كفاءات الكلاب، بل وتنافسها بحسب الاختصاصيين لأن هذه القوارض موجود بكثرة وتتمتع بقدرة ذكاء عالية، غير مكتشفة، إضافة إلى أنها حيوانات خفيفة الوزن وتتمتع بسمات تجعلها مؤهلة أكثر من غيرها في تنفيذ هذه المهمة الدقيقة.
وتقتضي هذه التقنية بوضع ما يشبه اللجام حول رقاب الفئران ثم تشد بحبل من أجل التحكم في حركتها وهي موصولة بما يشبه سكة حديدية رفيعة يمسكها شخصان اثنان ويمررانها فوق الأماكن المشبوهة، وما أن تشم الفئران رائحة اللغم حتى تسارع على الفور إلى حفر الأرض بأرجلها بحثاً عن الطعام بصورة غريزية. وبعدها يتولى شخص اختصاصي مهمة العثور على اللغم وتعطيل مفعوله أو تدميره نهائياً.
ويزن كل فأر من هذه الفئران نحو 35 .1 كيلوغراما مما يتيح لها حرية الحركة والتجول في حقول الألغام بدون إصابتها. ولم يسجل موت أي فأر خلال القيام بهذه التجارب، ولو أن خسارة الفئران في بلدان لا تحتوي على الألغام لا تعتبر خسارة بل ربحاً! تنزانيا سجلت رقماً قياسياً وسبقاً كبيراً في هذا المجال، مما أدى بدول أخرى إلى تقليدها، وحقوق الريادة محفوظة طبعاً: موزمبيق ارتأت أن تسير على خطى تنزانيا حيث باشرت فئرانها في البحث عن الألغام التي خلفتها الحرب الأهلية وهي ما تناهز 500 ألف لغم مدفون في الأرض.
وتقوم بدعم هذه البحوث جمعيات كبرى تعمل في مجال محاربة الألغام ومركزها في جنيف. ومن الممكن أن تستورد البلدان المتطورة التي تعاني من خطر الألغام الشخصية فئران تنزانيا وموزمبيق المدربة وذات الخبرة في مكافحة الألغام.
هل فهمتم الآن لماذا تدافع جنيف عن فئران تنزانيا؟!
