قرأت حواراً خطيراً في أحد المواقع الالكترونية، مع أحد المعتقلين السابقين وهو المدعو أحمد محمد الراوي، يتحدث فيه عن أسلوب تعذيب لا مثيل له، في سجن بوكا، ولمن لا يعرف سجن بوكا، فقد سماه الأميركيون «بوكا» على اسم إطفائي أميركي من أصل أسباني قتل أثناء عمله في إطفاء الحرائق في أحداث 11 سبتمبر 2001. فهو أكبر سجن في الشرق الأوسط، يقع على بعد 2 كم من مدينة أم قصر 60 كم غرب البصرة.. خيام يحشر فيها المعتقلون حشراً، ثم تحولت لبيوت خشبية «كرفانات».. سجناؤه 25 ألف معتقل.
وأسلوب التعذيب الذي لا مثيل له هو: يقوم الأميركيون بوضع المعتقل في حاوية حديدية، ويُفتح له سماعات تصدر أصواتاً مرعبة وعالية جداً ولا يخرجونه منها طيلة اليوم إلا ساعة واحدة في الليل، ويقضي حاجته فيها والكثير ممن دخلوا إليها إما ماتوا أو جُنوا!
وسرعان ما انتقلت ذاكرتي إلى متحف التعذيب العائد للقرون الوسطى في سجن جزيرة مونت سان ميشيل الفرنسية الآن تحوّل إلى مكان يجذب السياح حيث استخدموا الطريقة ذاتها، الكرة المعدنية بدلاً عن الحاوية الحديدية، وهي مغلقة يوضع فيها السجين، وينهال عليها الحراس ضرباً بالمطارق فتحدث صدى وضجيجاً لا يُحتمل داخلها، ويؤدي إلى جنون السجين.
وقد تعرض إلى هذا التعذيب عدد من المفكرين المعارضين آنذاك أمثال راسباي وديدرو وآخرون كانوا سبعمئة سجين. الأميركيون طوروا مطارق القرون الوسطى إلى مكبرات الصوت الالكترونية، إنهم يعرفون ماذا يفعلون لأنهم يحاربون عقل السجين المناوئ لهم. فقد سبق الأميركيون الصهاينة والفاشيون.
الصهايبة استخدموا زمامير السيارات ليدخلوا الرعب في نفوس سكان أريحا وجيوش هتلر ضخت الدعاية في الموسيقى، وكان الأميركيون الأغبياء يجهلون معنى ذلك ويتمتعون بسماعها. والاثنان يؤمنان بأن الضوضاء تمزق إرادة العدو.
الموسيقى تحولت إلى جزء من ترسانة الجيش. روّج العلماء النفسيون الذين صاحبوا الجيش الأميركي أن «الموسيقى مثل رمي قنبلة دخان، هدفها تشتيت العدو وإرباكه.
و«التلوث الصوتي» ابتكار أميركي يؤثر على الأذن البشرية، وتُقاس قوته بوحدة الديسبل، مئة وعشرون ديسبل يؤدي إلى الألم، ومئة وأربعون ديسبل يؤدي إلى تلف الأذن الداخلية وحاسة السمع، وعندما هجموا على بغداد استخدموا أصوات انفجارات وصلت إلى أكثر من مئتي ديسبل إذ يحوّل الناس إلى بؤرة من سريعي الغضب والإثارة والانفعال والصداع، ويزيد سكر الدم والقرحة المعدية وإفراز الغدد وتقلص عضلات القلب، ثم الموت.
أكثر من ثلاثين من مكبرات الصوت العملاقة انقضّت على الفلوجة، مربوطة بالبنادق، ومشدودة بأحزمة إلى الأكتاف، ومعلقة على الأبراج، وعلى مدرعات الهمفي، تبث أجراس الجحيم وموسيقى الروك أند رول وبكاء أطفال وصراخ رجال ومواء قطط ونباح كلاب وغيرها من أجل التأثير على أعصاب المقاومين المسلحين وإراحة أعصاب المارينز، بخلق أجواء مرح وضحك بينهم. كانوا يأملون أن يخرج المقاومون من مكامنهم ليكونوا صيداً سهلاً ولكن ذلك لم يحدث.
دروس نفسية تعلمّها المارينز من أجل تطبيقها على أرض الواقع، وأهمها كيف يمكن أن تدخل في رأس العدو، وتتلاعب في ذهنه لتربح الحرب؟
وربح الحرب لا يتحقق إلا عن طريقين لا ثالث لهما، إما الموت أو الجنون!
