الإيمان بقدرة الحياة على فتح نوافذ جديدة تطل منها على عالم جديد وتكتسب مهارات وخبرات تعزز الطاقة الخلاقة التي ينطوي عليها الإنسان، والإيمان بالإنسان ذاته وبأبعاده الإيجابية وإمكانية بلورة معارفه وتطوير مداركه في مراحل حياته المختلفة.
هذا الإيمان المشفوع بانفتاح الذهن ويقظته هو السمة البارزة في تكوين التربوي ورجل الأعمال إسماعيل عبدالله الحوسني، الذي تقلد مناصب بارزة في مجالات التربية والتعليم وأسهم بخبراته وقدراته التعليمية والإدارية في دفع عجلة العلم في الدولة،
فالمكان الذي يحل به الحوسني، هو مكان منظم بالضرورة وميدان للحراك الذهني والمعرفي ونواة للإضافة والعطاء سواء بجانبه التعليمي العام أو بجانبه الشخصي الذي انتظمت حوله العديد من المشاريع التجارية التي أسسها ووضع برامجها بطريقة تنعكس إيجابا على كافة أطراف عائلته.
ابتداء من الجانب الروحي في بناء وتعميق صلات الرحم وانتهاء بتحقيق المستوى المادي الذي يضمن وفرة تعم على الجميع، وتشمل تأهيل وتطوير الخبرات العملية للأفراد كافة.. إذن هي سيرة رجل يحركه دافع المحبة للآخرين.. سيرة ارتبطت بالنجاح والعطاء وخصوصاً في الجانب التعليمي وعبر المدارس التي درس بها أو أدارها أو من خلال مناصبه المختلفة وإسهاماته في الندوات أو المؤتمرات التي شارك داخل وخارج الدولة.
والحوسني حاصل على ماجستير في تنمية الموارد البشرية من جامعة غرفث باستراليا، وبكالوريوس آداب «إعلام ودراسات إسلامية» من جامعة الإمارات وحاصل على ليسانس شريعة ولغة عربية من كلية دبي للدراسات الإسلامية والعربية ودبلوم دراسات عليا في الإدارة المدرسية بمرتبة امتياز.
خارطة جديدة للعلم
وهو إلى جانب ذلك يقود العديد من المشاريع الاستثمارية الناجحة والتي عمقت صلته بالعالم وأكسبته بعداً حيوياً وعملياً بعد أن غادر السلك التعليمي ليرسم من جديد خارطة نجاحاته إنما في ميادين أخرى.. ولمعرفة بعض تفاصيل حياته والوقوف على مكوناتها ومحدداتها الرئيسية كان لنا معه هذا الحوار الذي استهله منذ أن كان على مقاعد الدراسة في طفولته يقول: درست في خورفكان حتى السادس الابتدائي،
وانتقلت بعدها إلى الشارقة حيث تلقيت تعليمي في المرحلة الاعدادية والثانوية في مدرستي (العروبة، وعلي بن أبي طالب) وكنت بشكل دائم من الطلبة المتفوقين والمثابرين، ولتلك الأيام نكهة خاصة مازلنا نستعيدها بمتعة كبيرة، حين كان التعليم يتصف بالجدية الكاملة والعطاء رغم ان ظروف الحياة لم تكن بهذه السهولة واليسر كما هي اليوم، كنا نشعر بلذة التعليم وأهميته
وكنا نؤمن بجدواه وبقيمة المعلومة التي تقدم الينا، وكان المدرسون هم (معلمين) بكل معنى الكلمة.. على عكس ما نراه اليوم من غياب الكثير من المفاهيم الأساسية للتعليم ومن اكتفائه بالجانب الشكلي في الكثير من الأحيان.
طوابير الصباح وصفوف التعليم
إلى جانب التفوق في الدراسة كان للحوسني اهتمامات أخرى فقد وجد في نفسه ميلاً وقدرة على الإلقاء في الإذاعة المدرسية والتي أفضت به إلى إعداد بعض التمثيليات البسيطة التي نفذها الطلاب في طوابيرهم الصباحية المشبعة بالنداوة ورائحة الأيام القديمة ويتذكر الحوسني بعض الطلبة الذين ظهرت ميولهم الفنية وتبلورت في مقاعد الدراسة والذين احترفوا فيما بعد هذا الجانب،
كما يتذكر أحد زملائه الأشقياء الذي كان يعد أكبر مشاكس في المدرسة والذي أصبح الآن يعمل أخصائياً اجتماعياً، كما يعتبر أن المدرسين والإداريين الأكفاء هم بالضرورة قادرون على تخريج أجيال حقيقية تستطيع الإسهام في المجتمع بشكل إيجابي وخلاق ومن مقاعد الدراسة الثانوية الى المقاعد الجامعية ينتقل الحوسني إلى جامعة الإمارات في العين حيث درس تخصص (الإعلام والدراسات الإسلامية)
وعن تلك المرحلة يقول: كنت أعشق الإعلام وأؤمن به إلا أنني لم أجد من يدفعني للدخول في هذا الميدان.. وبذلك تعمقت دراستي في الجانب الإسلامي وتأثرت بهذا الجانب في كافة المراحل الحياتية التي عملت بها،
فبعد تخرجي التحقت بالسلك التدريسي كمدرس للتربية الإسلامية وتلك المرحلة من أجمل المراحل في حياتي والتي اتسمت بالعطاء وتبلورت فيها خبرتي في التعامل مع الطلبة، وقد درست للعديد من الطلاب الذين أصبحوا الآن في الصف الأول في المجتمع والذين تقلدوا مناصب رفيعة بين التدريس والإدارة والتوجيه.
وبعد زمن من التدريس ينتقل الحوسني إلى أبوظبي ليصبح خلال عام واحد مديراً لمدرسة (زايد الثاني الإعدادية) تلك المدرسة التي تعد من أهم المدارس في الدولة والتي تخرج منها معظم شيوخ أبوظبي.. يقول: تلك المرحلة شكلت بالنسبة لي تحدياً كبيراً،
فقد كنت مدركاً أن الجانب الإداري هو من أهم العوامل لنجاح المدرسة أو فشلها وأتذكر أنني في اليوم الأول لوجودي في المدرسة قابلت امرأة كانت تشتم وتسب هذه المدرسة لرفضهم ولدها، وقد كانت مندفعة وهي تلعن المدير السابق لأنه حرمها حقاً من حقوق ابنها وحقوقها، إلا انني طمأنتها بأن ابنها سيقبل في المدرسة، لأتفاجأ بها بعد أسبوعين وقد جلبت قدور العيش والطعام ووزعتها على المدرسين.
وعن الفرق بين التدريس والإدارة يرى الحوسني، ان التدريس يمكنك من الاحتكاك المباشر بالطالب وبالتالي يمنحك قدرة أكبر في التأثير عليه وفي تعديل سلوكه وغرس المفاهيم الايجابية بداخله، وان العمل الإداري يأخذ من وقتك ويجعل المسؤولية لديك بشكل أكبر.
ومن مرحلة إلى أخرى يأخذنا الحوسني في دروب حياته التعليمية حيث ينتقل إلى ثانوية أبوظبي التي كانت بحاجة إلى الكثير من الجهد والذي يبذله الحوسني مع الكادر التدريسي والإداري، بحيث ينجح بتحويل الثانوية إلى ثانوية نموذجية ومتميزة، بعد أن استطاع تكوين علاقات طيبة مع كافة الطلبة وأوجد لديهم ا لحوافز الأساسية للتحصيل العلمي والدراسي،
ليغادرها بعد عامين ويصبح موجهاً في منطقة أبوظبي التعليمية ومسؤولا عن مجموعة من المدارس، يقول: خلال هذه الفترة استطعت إنجاز الكثير من اللوائح التعليمية ودخلت في العديد من اللجان، كلجنة تقييم مديري المدارس، ووضع معايير لتقييم أدائهم كما أصدرت مجلة للمنطقة التعليمية باسم (نبراس)، وكنت المنسق العام لجائزة الشيخ حمدان للتمييز،
ومسؤولاً عن امتحانات المتقدمين للتدريس في أبوظبي، ورئيس لجنة اختيار المعلمين، ثم توسع نطاق التوجيه فأصبحت موجهاً للعين ودبي وأبوظبي وخلال تلك المرحلة أسست نشرة تربوية متخصصة صدرت منها عدة نشرات وأقمت العديد من الدورات التدريبية لمديري المدارس والمعلمين، ويضيف: لتتوسع بعد ذلك مهامي بعد أن تم تعييني أمين السر العام لجمعية المعلمين.
تستمر دائرة العطاء بالتوسع لدى الحوسني ويزداد حجم مشاركاته الفعالة في الندوات والمؤتمرات التي قدم فيها حصيلة خبراته، ليفاجأ بعد عدة سنوات من تقلده منصب مدير مركز التدريب وأمين السر العام لجمعية المعلمين بإحالته على التقعد مع 58 تربوياً تقريباً، إلا أن ذلك لم ينل من عزيمته، فقد توجه من فوره إلى أستراليا لمتابعة تحصيله العلمي حيث التحق بجامعة غرفث وحصل على الماجستير في تنمية الموارد البشرية.
استثمارات أسرية
مرحلة أخرى من حياة الحوسني قد بدأت مع إنهاء خدماته في مجال التربية والتعليم، إلا أنها مرحلة هامة التفت فيها الحوسني إلى عائلته الكبيرة وأسهم في تحقيق العديد من المشاريع الهامة التي وضع فيها كل خبراته الحياتية ومقدراته،
يقول: بعد دراستي في أستراليا حاولت تقديم بعض المشاريع الاستثمارية للعائلة والمكونة من 24 فرداً تقريباً بالإضافة إلى أولادهم ونحن كعائلة من أب لديه ثلاث زوجات وقبيلة من الأولاد والأحفاد، كانت بحاجة إلى تقوية الصلات، فبدأت من الصفر وأسست المشاريع العقارية والتجارية وعمقت صلات الرحم، كما قدمنا مشاريع الحج والعمرة،
والمعسكرات الأسبوعية في البر وقمنا بالعديد من الرحلات الصيفية الترفيهية للعائلة كل ذلك بتساوق مع نمو المشاريع ونجاحها والتي انعكس خيرها والحمد لله على الجميع، ويعتبر الحوسني من أجمل العبارات التي سمعها والتي أثرت في حياته هي عبارة «الرجل الناجح هو الذي يجمع بين الفكر التربوي وعقلية التاجر»، وتلك المقولة استطعت ترجمتها في حياتي بشكل دقيق فبعد 17 سنة من التعليم،
تمكنت من متابعة تحصيلي وحصلت على الماجستير بزمن قياسي وأتقنت الإنجليزية بثمانية أشهر تقريباً، واستطعت في بريزبن أن أنقل هذه الجذوة إلى العديد من الطلبة الإماراتيين وأسست نادياً لطلبة الإمارات، وهناك اتسعت زوايا النظر لدي وأقمت العديد من صلات العمل التي استطعت من خلالها تطوير المشاريع العملية الخاصة،
خصوصاً وأنني تمكنت من تأهيل وتدريب العديد من أفراد عائلتي في هذا الميدان وقد وضعت برامج أعادتني إلى جوهر المسؤولية. سيرة إنسانية حافلة بالعطاء، ومتسمة بالحب، شخصية عصامية لم تقف عند حد، ولم يقترب منها الشعور بالعجز أو الإحباط ابتسامة طيبة ومرونة بادية، تلك بعض مكوّنات إسماعيل الحوسني، التي آثرنا أن نعاملها بشهادات بعض الأصدقاء الذين عرفوه عن قرب.
كفاءة تعليمية
عبدالله كتارة مسؤول شؤون الطلاب بجامعة الشارقة والذي عرف الحوسني وعايشه في ميادين العمل، يقول: إسماعيل الحوسني، رجل اقترن اسمه بالكفاح والمثابرة.. رجل جاد وعملي، عرفناه جيداً وأحببناه كثيراً، وقد استطاع بعد مسألة التقاعد أن يستثمر ذلك بشكل كبير وأن يظهر لديه الجانب العملي الناجح بشكل ملفت..
وهو رجل مفكرّ ومخطط وليس من النوع العادي على الإطلاق، وقد سبقني إلى جمعية المعلمين وقد استفدت من تجربته كثيراً، وهو إلى جانب ذلك محب للخير، ولديه محبة للناس منقطعة النظير، وهو كالشمعة تذوب لتضيء الدروب للآخرين، ويتعامل مع الجميع دون تمييز ولكلّ مقداره ووزنه.
أما ما يراه فيه جمعة الحوسني فينم عن تقديره ومحبته واعتزازه به، يقول: إسماعيل هو في المرتبة الأولى شقيق وصديق وأنا ألجأ إليه وأستشيره في كافة الأمور وهو شريكي سواء في الأمور العائلية أو العملية وهو من الكفاءات التعليمية النادرة في هذا الزمن، ومن ضمن الأخوة الذين أعطوا للتعليم عصارة جهدهم وخلاصة فكرهم، أثر كثيراً في المستوى التعليمي للدولة.
كما أنه ملهمى وأنا أستنير برأيه وأستدل بقوله، والطريف أنه كان بيننا عراك دائم في الطفولة.. ذلك العراك الذي تحوّل فيما بعد إلى محبة لا تنفصم عراها، فهو محب وسهل التعامل مع الآخرين وتستطيع معرفته بيسر شديد، كما أن لديه قدرة على اكتساب المعارف والأصدقاء، وكلما سافرنا إلى أي مكان في العالم وجدنا أصدقاء له.. أصدقاء يحبونه ويحترمونه وكل ذلك دليل على اجتماعيته وطيبته وحبه للناس.
الشيخ عبد العزيز يعود بذاكرته إلى أيام الدراسة في الجامعة فيقول عن (أبو عبد الرحمن) أبو الحسين.. معرفتي به قديمة منذ السنة الأولى على مقاعد الجامعة، حيث كان يتقدمنا في الدراسة، ومنذ تعرّفنا عليه، كان متسماً بالسماحة والابتسامة الدائمة.
وكلما رأيناه كان يهزّ برأسه ويغمز بعينه وكأن ثمة حوارا غير منطوق يجمعك به، ذلك أن لديه هاجس إرشاد الشباب والأخذ بيدهم وتقديم المعونة لهم، وفي تلك المرحلة لم تكن المعرفة عميقة، حتى التقينا في استراليا وأيضاً كان الحوسني يحاول تحصيله العلمي وهناك تعرفت عليه عن قرب أكثر،
لأجد فيه الإنسان النبيل والمحب والشغوف بتكوين العلاقات الطيبة مع الآخرين بغض النظر عن جنسياتهم وأعراقهم، وهو رجل تمور بداخله صفة التحدي وكنّا كالآباء الروحيين للشباب، وأبو عبد الرحمن قلبه نظيف وهادئ وودود ولديه برنامج أسري يمثل مبادرة كريمة منه تفصح عن معدنه الأصيل.
إسماعيل الرفاعي: