محمد عبدالله العلي أحد المثقفين الذين وهبوا حياتهم لتكريس الثقافة بأبعادها الإنسانية الشاملة وبأوجهها المختلفة، في نسيج حياتنا الاجتماعية، منذ تأسيس دولة الإمارات وحتى الآن، يعمل بإيمان كبير وبحماس شديد، في شتى الميادين الثقافية، بحب واقتدار كبيرين، جعلا منه أحد ثوابت الثقافة الرصينة والجادة في الإمارات، وأحد رموزها الذين مزجوا العمل بطاقة وجدانية هائلة،
وبروح كبيرة، تجوش في كل ما كان يقوم به محمد عبدالله أو يلقيه، أو يفعله، فطيبته البادية وشفافيته واهتمامه بدولته كجزء من نسيج عروبي متكامل كل هذا عمق بداخله ومنذ طفولته الإيمان بالحياة والإنسان، ووضعه على دروب الثقافة والعطاء، وللتعرف أكثر على جوانب أخرى من حياته كان لنا معه هذا الحوار، والذي ابتدأناه عن المرحلة الدراسية التي أمضاها في الكويت وعن الاهتمامات التي تعمقت لديه هناك وقال عنها:
عندما أتحدث عن الكويت فإني أتحدث بالضرورة عن الموطن الأول والشارع الأول والكتاب الأول والحرف الأول والمدرسة الأولى والأصدقاء الأوائل. هناك تفتحت عيناي على الحياة بكل ما فيها من أفراح وأتراح، هناك كانت الطفولة والصبا والشباب وهناك كان التعليم والتحصيل من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة. إنها أجمل فترات العمر، حيث تشكل فيها الوعي، وتفتح فيها الذهن على أحداث ومنعطفات ومتغيرات.
عندما كنت في الكويت اندلعت حربان ضد العدو الصهيوني عام 67 وكنت طفلاً وعام 73 حيث وضعت أولى خطواتي على مرحلة الصبا والشباب. ولأن الكويت غرست فينا منذ الصغر حب العروبة وحب فلسطين فقد كان تأثير تلك الحربين شديداً وقوياً عليّ ـ خاصة في تلك المرحلة من العمر ـ حيث تشكلت لدي منذ الصغر معاني الفداء والتضحية من أجل الوطن والأمة وترسخ لديّ الإيمان بالعروبة وبفلسطين،
وأذكر عندما كنت في الصف الثاني الابتدائي بمدرسة العضيلية الابتدائية، طلب مدرس الفصل من التلاميذ ان يخرجوا إلى السبورة ويكتبوا عليها أية كلمة تخطر في بالهم، وعندها جاء دوري وأمسكت بالطباشير فإذا بي أكتب كلمة «فلسطين» عندها دمعت عينا مدرس الفصل، والذي علمت بعد سنوات طويلة بأنه كان فلسطينياً وقد طلب من التلاميذ ان يصفقوا لي وأنا لم أكن أعلم لماذا كل هذا الثناء والتصفيق على كلمة كتبتها،
والآن عندما أذكر ما الذي جعلني أكتب كلمة فلسطين وماذا كانت تعني الكلمة بالنسبة لي وأحسب أنها كانت بدايات الإحساس والشعور بالانتماء إلى الوطن السليب وإلى قضيتنا الكبرى والدفاع عنها بكل الطرق والوسائل، وهذا ما جعلني في سنوات التعليم اللاحقة أحفظ جميع القصائد الوطنية التي كانت مقررة عن القضية الفلسطينية عن ظهر قلب حتى يومنا هذا، خاصة قصائد الشعراء هارون هاشم رشيد وعبدالرحيم محمود وإبراهيم طوقان.. وغيرهم.
في الكويت أيضاً، وتحديداً في الصف الرابع الابتدائي، بمدرسة الرشيد الابتدائية بمنطقة الدسمة، صعدت ولأول مرة على خشبة المسرح مع مجموعة من أقراني لنمثل مسرحية شعرية للشاعر أحمد شوقي، وأذكر أن الدور الذي أسند إليّ هو دور العابد الناصح الذي ينصح الغني البخيل لأن يجود بماله على الفقراء والمساكين، وأتصور أن حبي للمسرح الآن هو امتداد لتلك الخطوة المبكرة والتي تعود إلى منتصف الستينات.
أما في المرحلة الثانوية فقد شاركت في مسابقة لحفظ الشعر العربي على مستوى المدارس الثانوية بالكويت، وكان ترتيبي المركز الثاني في تلك المسابقة، ولأنني كنت محباً للشعر وللغة العربية وأعشق الإلقاء والخطابة، فقد كنت مشرفاً على الإذاعة المدرسية في المرحلتين المتوسطة والثانوية، مما كان له التأثير الكبير على شخصيتي في المراحل والسنوات اللاحقة من الحياة.
الاحتجاج الأول
وأذكر أنني عندما كنت في الصف الثالث الثانوي، حدث شجار بين مدرس اللغة الفرنسية وبين أحد الزملاء في الفصل، مما أدى إلى أن يتلفظ المدرس بكلمات لا تليق برجل تربية وبمعلم له مكانته وتقديره، مما دفعنا إلى ترك الفصل والذهاب إلى ناظر المدرسة لننقل إليه أمر ذلك المدرس، إلا أن الناظر لم يأبه بذلك الأمر كثيراً، ولأن المسألة لا يمكن السكوت عليها، فقد اقترحت على الطلبة أن نذهب في الفترة المسائية إلى مقر مجلة «مرآة الأمة»، وعرض الأمر على رئيس التحرير علي بن يوسف الرومي رحمه الله.
الذي تفهم مشكلتنا وتحمس لها بعد أن تأكد من مصداقيتها لحسه الإعلامي وخبرته الطويلة، وفي العدد التالي من المجلة، فوجئنا بأن افتتاحية المجلة التي يكتبها رئيس التحرير تتصدى لمشكلتنا وتقف إلى جانبنا. أما في الصفحات الداخلية من المجلة فقد تم نشر القصة كاملة كما رويناها، بعدها تصاعدت حتى مرحلة التحقيق.
كوكبة من الرموز
أما في الجامعة فقد كانت الحياة مختلفة تماماً حيث النضج والوعي وتأكيد الذات والبحث عن مفاتيح الشخصية والدخول إلى عالم المعرفة والبحث والاختيار الأنسب على مستوى الأساتذة والأصدقاء والمواد العلمية ومواقيتها، عالم من الحرية الشخصية متاح أمامك وما عليك إلا أن تحسن التعامل مع تلك الحرية لتصل إلى مبتغاك وبأقصر الطرق.
في الجامعة وفي كلية الآداب تحديداً بقسم اللغة العربية كان لي الشرف أن أكون طالباً عند كوكبة من رموز الفكر والعلم والثقافة ممن أثروا الساحة العلمية والمعرفة في عالمنا العربي، ويكفي أن أشير إلى بعض تلك الأسماء الذين تشرفت بتلقي العلم على أيديهم من أمثال الدكتور حسين مؤنس، الدكتورة نازك الملائكة، الدكتور أحمد مختار عمر، الدكتورة وديعة طه نجم، الدكتور هاشم ياغي، الدكتور عبدالله المهنا، الدكتورة خديجة الحديثي، الدكتور محمد رجب النجار، الأستاذ الشاعر عبدالعزيز العندليب، وغيرهم كثيرون ممن أخذت منهم الكثير الكثير.
وكما قلت، الكويت هي المكان الأول الذي تحددت فيه وتشكلت ملامح شخصيتي واهتماماتي فيه. وعودة إلى سؤالك: ماذا أعطتني الكويت: أقول: إن الكويت لم تعطني وحدي، بل أعطت أبناء أمتنا العربية، فهي بلاد العرب في الابتداء والانتهاء.
25 سنة عمر الدائرة
الآن وقد مرّ على إنشاء دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ربع قرن من الزمن بالتمام والكمال، كأول مؤسسة ثقافية رسمية بالدولة وكواجهة حضارية وفكرية لإمارة تمثل الثقافة أبرز ملامح شخصيتها، وإذا كانت وسائل الإعلام والمثقفون والإعلاميون والمهتمون قد أجمعوا على تميز أنشطة الدائرة وعلى حسن انتقائها وسلامة قصدها وتوجهاتها في سنواتها الخمس والعشرين المنصرمة،
فإن ذلك ينبغي ان يكون عامل تشجيع وتحفيز لما هو أهم وأكبر كي تظل هذه المؤسسة رائدة الفعل الثقافي الهادف والمستنير، كما يريدها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وكما نريدها نحن العاملين فيها.
قبل خمس وعشرين سنة استهلت الدائرة برنامجها الثقافي بمحاضرة حول دور الجامعة في تنمية المجتمع للأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة، واليوم تحتل الدائرة في خارطة العمل الثقافي بالدولة والاقليم الخليجي والعربي مساحة شاسعة تغطيها بفعاليات ثقافية دولية كبرى، يشهد لها القاصي والداني على دورها الرائد في الثقافة العربية والعالمية،
فمن محاضرة يتيمة في مطلع الثمانينات إلى عمل ثقافي مؤسساتي مبرمج وممنهج يحتوي على عشرات الفعاليات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ومن مكتب صغير بالديوان الأميري بالشارقة يضم رئيسا ومديراً وثلاثة موظفين ـ كنت أحدهم ـ وفراشا إلى مبان ومراكز ومعاهد ومتاحف ومسارح، تضم جيشا من المسؤولين والموظفين والعاملين والمتعاونين، إنها الثورة الثقافية التي قادها بكفاءة واقتدار الحاكم المثقف المستنير صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ـ حفظه الله ورعاه ـ في إطار مشروع سموه الثقافي الذي بدأ ولا يريد أن ينتهي.
ومع أول رئيس لدائرة الثقافة والإعلام واصلت مشواري الثقافي والإعلامي في أول مؤسسة ثقافية حكومية بالدولة، حينما انتدبت من وزارة الإعلام والثقافة للمساهمة في النهوض بالمؤسسة الثقافية الوليدة، وكان الشيخ أحمد بن محمد القاسمي، خير قائد لتلك المؤسسة التي كانت تحتاج بالفعل إلى شخصية ثقافية منفتحة ومدركة لطبيعة العمل الثقافي والإعلامي في تلك الفترة،
حيث البدايات الأولى ومراحل التأسيس والتي تحتاج إلى رؤية ثاقبة وصبر جميل وعمل دائب وجهد متواصل، يساعد في ذلك الأخ محمد دياب الموسى وهو أول مدير عام للدائرة الثقافية والتي تصبح فيما بعد ـ دائرة الثقافة والإعلام ومعنا ايضاً الأخ العزيز الأستاذ أسامة مرة والذي يعتبر من أوائل العاملين بالدائرة منذ نشأتها ويواصل نشاطه المعهود حتى هذا اليوم، ثم تنضم إلى الدائرة لاحقا كفاءات ورموز، قيادية محلية من أمثال الشيخ محمد بن خالد القاسمي ـ رحمه الله ـ والشيخ عصام بن صقر القاسمي كرئيسين للدائرة، ومجموعة من الإخوة المديرين العامين الذين تناوبوا الأستاذ ماجد بو شليبي،
والأستاذ عبيد بن عيسى والأستاذ عبد الرحمن الشامسي والدكتور عبيد الهاجري، والأستاذ عبدالله العويس، بالإضافة إلى لقاءات ثقافية عربية من أمثال الدكتور يوسف عايدابي والدكتور حسن مدن والدكتور عمر عبدالعزيز والدكتور أحمد فهمي، هذا بالإضافة إلى عدد من الزملاء مديري الإدارات، الأستاذ هشام المظلوم والأستاذ عبدالعزيز المسلم والأستاذ فيصل الحجي والأستاذة فاطمة ثاني، ومجموعة كبيرة أخرى من المساهمين والمتعاونين.
هذه الأسماء وغيرها صنعت حياة ثقافية جديرة بأن تؤرخ وتوثّق كي تكون في المستقبل القريب والبعيد في متناول الباحثين والدارسين والمهتمين بالتاريخ الثقافي للدولة، لقد حدث تغيير جذري في مفهوم الثقافة المحلية وانفتاحها على الثقافة العربية والإنسانية والتأثير بها والتأثر عليها «25» سنة معرض الشارقة الدولي للكتاب ـ 22 سنة أيام الشارقة المسرحية ـ
أكثر من عشرين سنة مهرجان ثقافة الطفل ـ أكثر من عشر سنوات بينالي الشارقة الدولي للفنون ـ الأسابيع الثقافية العربية والدولية ـ أيام الشارقة التراثية ـ محاضرات ـ ندوات ـ أمسيات ـ ملتقيات ـ مهرجانات ـ إصدارات ـ جوائز - بنى تحتية ـ مسارح ـ متاحف ـ معارض ضيوف من مختلف أقطار الوطن العربي والعالم في مختلف التخصصات التوجهات الفكرية والثقافية والسياسية.
كل هذا المزيج والطيف الثقافي جعلا الشارقة مدينة ثقافية غير عادية، وصار اسمها واسم حالها مقترنين بالعلم والفكر والثقافة، بسبب القيادة التي تؤمن بأن خلاص الأمة في موروثها الثقافي وهويتها الوطنية العربية الإسلامية.
ازدهار المسرح
مسرح الشارقة الوطني منذ عام 1977 وحتى إنشاء الدائرة الثقافية بالشارقة عام 1981 كان يشكل المؤسسة الثقافية والفنية التي تتولى شؤون الثقافة والفن بإمارة الشارقة وذلك بالتعاون مع عدد من الوزارات والجهات والجمعيات، ولم يكن المسرح جهة مختصة بتقديم وانتاج الأعمال المسرحية فحسب بل كان ينظم العديد من الندوات والمحاضرات والأمسيات الفكرية والثقافية من خلال لجنة ثقافية نشطة ومسؤولة،
من أمثال الاستاذ عبدالواحد الأمبابي رحمه الله والاستاذ إبراهيم جلال رحمه الله والاستاذ صقر الرشود رحمه الله والاستاذ عبداللطيف فقير رحمه الله والاستاذ عبدالله العباس والدكتور عبدالله يتيم والاستاذة حياة الخطيب إلى جانب الإخوة المواطنين الاستاذ عبدالرحمن الصالح والاستاذ علي درويش والاستاذ عبداللطيف القرقاوي والفنانين محمد يوسف وسيف الغانم وعبدالله المناعي وعلي طالب وعلي خميس ومجموعة أخرى ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن.
هذه اللجنة الثقافية والتي كنت منسقها ومتابعا لأعمالها، قدمت عدداً من الفعاليات الثقافية الكبرى بمقياس إمكانات وظروف تلك المرحلة وأذكر من بين تلك الفعاليات والأنشطة، حفل تأبين الفنان صقر الرشود وحفل تأبين شاعر الإمارات الكبير راشد الخضر وندوة الصحافة المحلية في الإمارات وأمسية شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري وأمسية شعرية محلية شارك فيها الشعراء أحمد أمين المدني رحمه الله وحبيب الصايغ وحسين الجزيري وهاشم الموسوي،
إضافة الى عدد من المحاضرات السياسية والثقافية والاجتماعية لعدد من المثقفين والإعلاميين والسياسيين. كما قدمت الفرقة مجموعة من الأعمال المسرحية المتميزة في تلك الفترة مثل مسرحيات شمس النهار والمضحك المبكي والسلطان والرجل الذي صار كلباً.. وغيرها.
كل تلك الأنشطة كان تمثل حالة ثقافية مزدهرة ونشطة في تلك الفترة بفضل جهود أعضاء اللجنة الثقافية بمسرح الشارقة الوطني، كما لا أنسى صدور مجلة الرولة المسرحية المتخصصة في تلك المرحلة والتي شكلت بدورها رافداً من روافد مسرحنا المحلي وكانت لسان حال المسرحيين المحليين في الداخل والخارج.
ويشرفني ان أؤكد ان اللجنة الثقافية بمسرح الشارقة الوطني وخلال تلك الفترة المبكرة من تأسيس الدولة، أعطتني الضوء الأخضر نحو الانطلاق والانتشار في الساحة الثقافية والإعلامية المحلية كمنشط ثقافي ومحاور إعلامي، قدم العديد من الفعاليات الفكرية والثقافية وحاور العديد من المثقفين والمفكرين في العالم العربي.
ومن يرجع الى المكتبة المرئية والمسموعة لمسرح الشارقة الوطني يلاحظ ذلك الكم الكبير من الأنشطة الثقافية والإعلامية التي توثق بالصوت والصورة المشهد الثقافي في منتصف السبعينات وبداية الثمانينات.
مهام الإداري
عملي كمدير لإدارة الشؤون الثقافية بدائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، لم يحملني أعباء وظيفية جديدة أو مغايرة، سوى الالتزام الأخلاقي والأدبي وتنفيذ برامج الإدارة في مواعيدها المحددة وتوفير سبل ومستلزمات نجاحها وتجويدها والإعلان عنها بما يخدم أهدافها وغاياتها المنشودة. بمعنى أنني وحتى قبل إنشاء دائرة الثقافة والإعلام كنت أقوم تقريباً بنفس المهام من خلال اللجنة الثقافية بمسرح الشارقة الوطني، وربما كان الفرق هو أن العمل في مسرح الشارقة الوطني كان عملاً تطوعياً محضاً،
لا أحصل عليه أي أجر، بينما العمل في دائرة الثقافة والإعلام هو وظيفة رسمية اعتاش منها، وإذا كان العمل التطوعي، أو الوظيفي الرسمي جزءاً من اهتمامات الشخص وأحد مكونات بنائه الوجداني والإنساني فإنه لا مناص من ان يبدع الإنسان في عمله ويطور أدواته أولاً بأول ويسعى إلى تجويد أدائه نحو الأفضل والأحسن ولك ان تتصور صعوبة الحديث عن الذات والانجازات التي قدمتها،
ولكن عندما أستمع إلى الآخرين وأرى ردود أفعالهم وثنائهم أشعر بأنني قدمت شيئا يمكن ان يكون نافعاً للأفراد والمجتمع، وأرجو أن أكون كذلك، واليوم وبعد ثلاثين سنة من العطاء الثقافي والإعلامي بإمارة الشارقة وفي ظل توجهات حاكمها، أشعر بأن شيئاً ما قد تحقق وتكرس على أرض الواقع وصار سمة من سمات إمارة الثقافة الباسمة.
أما عن ثنائية المبدع والإداري فذلك يتوقف على صبر وجهد وعطاء ذلك المبدع والإداري ومدى استطاعته التوفيق بين منجزه الإبداعي ووظيفته الإدارية، وإذا كنت تقصدني في سؤالك فأنا أريحك وأريح القارئ العزيز وأقول: إنني لست مبدعاً ولكنني أدير الإبداع والمبدعين من موقعي وأتعلم منهم.
الوطن والعولمة
التشبث بسلبيات العولمة، كلها ـ وللأسف ـ عوامل تضعف الانتماء الوطني وتذيب الحس القومي وتجعل المواطن غريباً في بلده وبين أهله. فالدولة ـ اليوم ـ بحاجة ماسة إلى مؤسسة إعلامية مركزية، تربط أفراد المجتمع بوطنهم وتنمي فيهم روح الانتماء والأصالة ويحميهم من هذا الفضاء الإعلامي المفتوح والمفضوح، والدولة بحاجة إلى منهج تربوي وتعليمي لا يغفل التربية الوطنية ولا يغفل التاريخ المشرف للعروبة والإسلام ومآثر السلف الصالح من الرجال وقامات الأمة الأفذاذ، ليكونوا قدوة للجيل الجديد والأجيال القادمة.
إن ما نلحظه اليوم من مظاهر الاغتراب وتقليد الغرب ـ في كل شيء ـ خاصة بين فئة الشباب لأمر يدعو إلى الخوف والقلق، ويحمل المسؤولين والقائمين على أمور الإعلام والتعليم أن يضطلعوا بدورهم ورسالتهم وأن يتعاونوا مع مؤسسات المجتمع المدني ومع الأسرة من أجل المحافظة على هوية وأصالة هذا المجتمع العربي المسلم.
وقد اختتم حديثه الشيق والمنساب والمعجون بحرارة الذكريات وصدق القول: إن أمتنا مستهدفة في قيمها وتاريخها ولغتها ودينها، فإذا لم ننتبه إلى ذلك من الآن ونعد العدة لمواجهة سهام الاستهداف التي تصيب جسد الأمة من كل حدب وصوب، فإن مستقبلاً غامضاً سوف يكون في انتظارنا «نسأل الله السلام».
وفي اطار تعرفنا على بعض جوانب السيرة الذاتية لشخصية محمد عبدالله المتفانية والدؤوبة، اخذنا شهادات بعض الأصدقاء الذين عاصروا مسيرته الغنية وتعرفوا عليه عن قرب فقال عبدالاله عبدالقادر المسرحي والكاتب المعروف:
ربع قرن تقريباً مر منذ أن تعرفت على أخي وصديقي محمد عبدالاله.
ممثل جيد، ترك التمثيل بقراره الشخصي ليتفرغ للإدارة الفنية، والإدارة فن، وبدون مدير جيد لا يمكن ان نخلق مسرحاً جيداً، لانه العجلة التي تسارع بها الزمن، وتوصلك إلى الهدف الأساسي.
محمد عبدالاله.. ينكر ذاته.. من أجل العمل.. تجده دائماً معك يحملك على عنقه حتى تخرج بأمان للعالم.
شارك معي في أكثر من عمل دون أن يبحث عن اسم أو منصب.
قرأنا معاً عشرات النصوص في البحث عن نص ناجح، نقدمه للعرض المسرحي.
أصدرنا معاً مجلة الرولة أول مجلة متخصصة بشؤون المسرح في الخليج العربي، كما أصدرنا أول جريدة يومية عن أيام الشارقة المسرحية.
تحاورنا ليالي وأياما من أجل أن نطور ادوات المسرح.
هو رجل مثقف، وقارئ نهم، ويمتلك بعداً مستقبلياً في العمل المسرحي، نادراً ما شاهدته غاضباً، أو خارجاً عن كياسته وهدوئه ومروءته وابتسامته، هو كأي إنسان يمكن أن يتعرف لسبب يغضبه، لكنه يملك القدرة على «كظم الغيظ» حينما يغضب، حتى أستطيع القول أنني لم أر غضبه طيلة زمالتي له التي أنجزنا خلالها الكثير للمسرح في الإمارات وكان خير معين في ذلك.
محمد عبدالله على المستوى الشخصي ليس صديقاً فحسب بل انه أخ حقيقي وعلى مستوى المسرح والثقافة فهو الإنسان الذي نكر ذاته ورهن شبابه وجهده وثقافته لخدمة البيت المسرحي، رجل وهب حياته للعمل الثقافي دون مقابل، فزرع الأرض وحصدها غيره.
وقال عنه ماجد بوشليبي المدير العام للمنتدى الإسلامي في الشارقة، تحدث عن محمد عبدالله بحب كبير وإيمان شديد بطاقاته وقدراته التي لمسها في كافة الفعاليات والأنشطة التي أشرف عليها وأدارها، مأخوذاً بحماس وتفان لا يقف عند حد، خصوصاً في المرحلة التي جمعت بينهما في إطار دائرة وتفان لا يقف عند حد،
خصوصاً في المرحلة التي عقبت بينهما في إطار دائرة الثقافة والإعلام عندما كان ماجد بن شليبي مديراً عاماً لها، وغيرها من المرافق الثقافية والمجالس الأدبية التي جمعت بينهما حتى وصفه بأنه رجل يأكل ثقافة وينام ويتنفس ثقافة وتعتمد عليه الثقافة، ويضيف كان أول الذين التقيتهم في مسرح الشارقة ومن تلك الأيام كان يبدي النبل والمثابرة في كل عمل يقوم به، فقد كان يحترم عمله يحترم مسؤوليته،
وكان مسؤولاً حتى النخاع، يؤرق اذا كلف بعمل حتى ينتهي منه على احسن صورة ممكنة، وهو من الرعيل الثقافي الأول الذي قامت على أكتافهم الكثير من الفعاليات، ويرى بأننا نظلمه اذا قلنا عنه انه مسرحي، فهو مثقف موسوعي، وهذه النوعية من المثقفين نادرة جداً، وهو قادر على العطاء بمختلف المجالات الثقافية وهو رجل علاقات من الطراز الأول،
يتوارى خلف العمل والكثير من الأنشطة الثقافية الهامة نجد عليها بصمة محمد عبدالله في نكران عجيب للذات، ويختم ماجد بوشليبي بقوله شهادتنا مجروحة وهو واحد من الذين اعتز تماماً بأنني عملت معه و تعلمنا منه أشياء كثيرة جداً وأكثرها الصبر على العمل الثقافي.
إسماعيل الرفاعي
