من الواضح أن وجود الشواذ يرتبط ارتباطا وثيقا بالتربية ونشأة الطفل داخل الأسرة حيث يؤكد خبراء النفس والاجتماع أن الأسرة هي الأساس في انحراف الأبناء وشذوذهم، فمن الناحية الاجتماعية تشير الباحثة الاجتماعية نورة النقبي إلى أن اتجاه الشباب والشابات إلى التشبه بالجنس الآخر سببه خلل في العلاقات الأسرية .

حيث ينشغل الآباء عن أبنائهم تاركين المؤثرات الخارجية والشعور بالحرمان العاطفي يحولان الشباب إلى البحث عن المختلف وغير المألوف في المجتمع، وقد تجد الفتاة في التشبه بالرجال نوعاً من القوة كونها نشأت في مجتمع أو أسرة تفضل الفتى على الفتاة فينشأ لديها احتقار لأنوثتها ومحاولة للاقتراب من عالم الأقوياء من وجهة نظرها.وكما أن قدوم شاذين من مجتمعات غريبة عنا يمكن أن يؤثر في الشباب الصغار حيث تنشأ الرغبة بتقليد الآخر تحت وهم شعار الحرية، خاصة أن تلك الظاهرة تكثر عند المراهقين سواء مراحل الدراسة الثانوية أو الجامعية، وهنا لا بد للإصلاح أن يبدأ من الأسرة التي تكون مهمتها متابعة أبنائها والانتباه إلى كل ما يقومون به من تصرفات غريبة وغير طبيعية.أما الدكتور ريموند حمدان اختصاصي الطب النفسي فيضع علاقة الإنسان بأسرته في مقدمة الأسباب التي تؤدي إلى الشذوذ حيث يقول: تشكل الأسرة المحور الأساس الذي يؤثر في نمو الطفل وتكوين شخصيته.

فعندما تكون شخصية الأم قوية وطاغية على شخصية الأب نجد أن البنت تحاول التعويض بأن تتجه إلى التشبه بشخصية الرجل القوي لتعوض شعورها بعدم قوة أبيها، وعندما يفتقد الطفل حضور الأبوين في حياته فيعيش كالأيتام بينما يكون الوالدان منشغلين عنه يبحث عن شخص ليساعده ويقدم له العاطفة ويعطيه الثقة بنفسه.

وقد يشاهد أفلاماً وصوراً لنماذج من الشواذ تكون سعيدة في حياتها فيحاول تقليدها للحصول على السعادة ولأنه لا يمتلك القدوة السوية من الوالدين يتجه إلى نماذج قد لا تكون طبيعية للاقتداء بها، لذا فإن التربية الأسرية هي الأساس في تنشئة الطفل تنشئة سليمة بعيدا عن الانحرافات خاصة أن وسائل الإعلام اليوم مفتوحة .

وتقدم نماذج مختلفة يمكنها بسهولة أن تكون بديلة لأجواء الأسرة التي لا تقدم الرعاية الكافية لأبنائها، وطبعا في علم النفس لا يسمى الشذوذ مرضا نفسيا ولا يكون كذلك إلا إذا شعر الشاذ بأنه غير منسجم مع حالته وأنه بحاجة إلى العلاج.

مرفوض إسلامياً

وموقف الدين الإسلامي من تلك الحالات الشاذة معروف فقد وردت في القرآن الكريم قصة قوم لوط الذين كانوا يمارسون الفاحشة ونسبت تسميتها إليهم.

حيث يوضح الشيخ أحمد نصر موقف الإسلام منها قائلا: لا يصلح آخر الأمة إلا بما صلح عليه أولها والتمسك بالقيم الإسلامية وتعاليم الدين الحنيف تكون بالعودة إلى النظام الإسلامي الذي قال عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا ألله».

ولو تتبعنا موقف الدين الإسلامي الحنيف لوجدنا أن الشاذ ملعون ومرفوض فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم: «ملعون من عمل عمل قوم لوط» وكررها ثلاثا، وقد ذكر هذا الفعل الفاحش في عدد من آيات القرآن الكريم؛ ففي سورة الشعراء قال تعالى: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)، وقال تعالى في سورة الأعراف: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ).

كما لعن رسولنا الكريم المتشبهات من النساء بالرجال فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدة قوسا فقال: «لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال»، وفي رواية للبخاري: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء»، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخط الله»، قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: «المتشبهون من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال والذي يأتي البهيمة والذي يأتي الرجال».

واختلف العلماء في عقوبة اللواط وجمهور السنة أن اللائط يقتل لورود قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به».

وفي المذهب الشافعي حد اللواط هو حد الزنى استنادا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان»، وقال المالكية والحانبلة بوجوب الرجم في اللواط بغض النظر إذا ما كان الفاعل محصناً أو غير محصن.

و يرجم المفعول به أيضاً إن كان بالغاً، راضياً بالفعل وفي المذهب الحنفي يعزّر اللائط ولا يقتل، وهذه الأحكام في الدين الإسلامي توضح موقف الإسلام الرافض للشذوذ لأنه شذوذ عن الطبيعة التي خلق الله تعالى الإنسان عليها وعصيان لتعاليم الإسلام التي كرمت الإنسان ونأت به عن الأفعال المشينة.

الطب السريري يعالج بعض الحالات

ينفي علم النفس أن يكون الشذوذ الجنسي مرضا نفسيا حيث يقول الدكتور خليل الكرخي اختصاصي الطب النفسي: إن الشذوذ يعني فقدان الهوية الجنسية، وهناك أنواع مختلفة من الشواذ؛ فمنهم ذكور يشعرون بأنهم إناث ويميلون إلى الذكور.

وتسمى حالتهم بالتحول الجنسي، وهناك ذكور يشعرون بأنهم ذكور لكنهم يميلون إلى أبناء جنسهم وتسمى حالتهم الجنسية المثلية، وهناك من يشعرون أنهم مطابقون لجنسهم لكنهم يدعون أن مشاعرهم مختلفة عن جنسهم ليقدموا تبريرا لممارساتهم الشاذة، وهذا الحالات يمكن تطبيقها على الإناث كذلك.

ومن الناحية النفسية العلمية نجد أن بعضهم مصاب باضطرابات نفسية ولا تعالج إلا برغبتهم هم حيث يمكن اللجوء في تلك الحالة إلى العلاج السلوكي الإكراهي لكن من الصعب شفاؤهم لأن استجابتهم في الغالب تكون ضئيلة، فحالتهم ليست جديدة.

وإنما نشأت معهم منذ الطفولة بسبب التربية والخبرات المؤلمة والتغيرات الهرمونية أو الجينية، أما الأشخاص الذين يعانون من خلل جسمي سببه وجود أعضاء ذكرية أو أنثوية مختفية فهؤلاء يختلفون جذريا عن حالة الشواذ لأن حالتهم يمكن أن تعالج بالطب السريري ليعيشوا حياة طبيعية بعدها.

دلال جويد