نحن البشر مخلوقات فريدة.. حبانا الله عز وجل بالعديد من النعم، التي نعجز عن إحصائها، بل ونغفل كثيراً عن إدراك أهميتها، ويلعب القدر دوره في تغيير مجرى حياتنا لتبدأ من هنا قصص الكفاح والطموح، والأهم من ذلك التكيف مع الوضع الجديد، وهي الميزة التي يفتقدها الكثير منا، ولعل حواء ستغير نظرة الكثير منا إلى الحياة وبإدراكنا للنعم التي أنعم بها علينا سبحانه.

المواطنة حواء محمد أهلي عاشت أحلى أيام طفولتها في دبي، حتى أدركت عامها الخامس، حالها حال جميع الأطفال الذين يتعرضون للعديد من التقلبات والتغيرات التي من الممكن أن تؤثر سلباً على حالتهم الصحية، من هذه التغيرات أنها تعرضت إلى ارتفاع شديد بحرارتها، ولم يدرك الأهل خطورة حالتها، إلا بعد أن أثر الارتفاع على قدرتها السمعية وقدرتها على الكلام ومن هنا تحولت حواء من طفلة سوية إلى صماء بكماء.

وعدم الوعي الطبي لدى أهل حواء كان السبب الذي جعل فلذة كبدهم تصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولم تسعفهم معرفتهم التي تمت بعد فوات الأوان، لكنهم قرروا أن يعوضوها ما فقدت، فبحثوا لها عن مدرسة تهتم بتعليم هذه الفئة، لكنهم لم يوفقوا في العثور عليها ضمن الدولة، فأرسلوا ابنتهم إلى الكويت.

درست حواء هناك وحصلت على شهادة الثانوية العامة، ولم تكن الكويت مجرد بلد تعلمت فيه وساعدها على الاعتماد على نفسها وحسب، لكنها وجدت فيه نصفها الآخر، النصف الذي تبحث عنه المرأة بكل مكان، فقد التقت في المدرسة التي تعلمت بها شريك حياتها ليتزوجا وينجبا طفلتين بأتم الصحة والعافية وهما الآن بانتظار مولودهما الثالث. تابعت حواء بعد إنهاء الدراسة مسيرة الكفاح والتحقت بأحد مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة، وتلقت عدداً من الدورات التدريبية والندوات الخاصة بتأهيل الصم والبكم.

عاشت حواء تحلم باللحظة التي ترى فيها أطفالها الذين منحوها الحب الكبير، حتى لو لم تكن قادرة على الاستماع إليهم والتواصل معهم عبر الكلمات، حيث استطاعت تعليمهم لغة الإشارة.

وبعد أن وضعت حواء بصمتها في منزلها شعرت بالملل، والوحدة وحاجتها للعمل، فقررت أن تبحث عنه، لكن لم يكن من السهل عليها إيجاد عمل، وكانت إصابتها سبب رفضها في الكثير من الأماكن التي تقدمت إليها، فشعرت بإحباط كبير وكان ذلك من أصعب المواقف التي تعرضت لها، لأنها شعرت بأن المجتمع لا يتقبلها، بسبب وضع لا يد لها فيه، بل إن القدر حكم بذلك، لكنها لم تيأس واستمرت في البحث إلى أن وجدت فرصة عمل بإدارة الإقامة والجنسية في دبي عام 2005، حيث تحسنت نفسيتها، وأثبتت قدرتها على العطاء أمام جميع مسؤوليها.

سمانا النصيرات