أوراق مبعثرة وبقع حبر وملاحظات صغيرة على أطراف مذكرات وكتب لطالما رافقت الطالب خلال رحلته الجامعية ، انتهى وقتها، ليستقل الطالب بعدها مسيرة أخرى من التعليم بعيداً عن مدرجات المحاضرات التي اعتادها، ليتجه إلى أولى البوابات التي تقربه إلى عتبات الحياة المهنية. التدريب الميداني العملي يشغل تفكير معظم الطالبات،
فهو الشيء المجهول الذي تحاول كل طالبة رسم توقعاتها عنه في مخيلتها وبطريقتها الخاصة، وقيل في المثل «من جهل الشيء هابه» لذا من الطبيعي أن يسيطر على طالبة التدريب الميداني نوع من الخوف والرهبة، خاصة وأن فترته مرحلة حرجة لأنها محاولة لتحدي الذات، وإثبات القدرات الشخصية.
في هذا التحقيق نسلط الضوء على التجربة الميدانية لطالبات كلية التربية في جامعة الإمارات في المدارس، كيف هي؟ وما هي المشاكل التي يواجهنها خلال التدريب؟.
تقول الطالبة شمة الكعبي المتدربة في مدرسة لرياض الأطفال: إن بداية التدريب الميداني كانت صعبة، لأنه ليس من السهل التعامل مع أطفال في هذا السن، ولكن مع الوقت والممارسة، بدأت أجد الأمر أكثر سهولة ومتعة، وأنوي حقيقة أن أعمل مدرسة لرياض الأطفال بعد التخرج، لأن التعامل مع الأطفال أكسبني الكثير من الخبرات،
فقد تعلمت كيف أتعامل مع الطفل، كيف أفكر بعقله، كيف ألاحظه وأراقبه، وأيضا أضاف التدريب صفات كثيرة إلى شخصيتي، فأصبحت أكثر جرأة، زادت ثقتي في نفسي، أصبحت صبورة، وتعلمت كيف أضبط نفسي أمام الآخرين. وتتابع وهي تصطحبنا إلى صفها: هذا هو صفي، مقسم إلى ستة أركان، الركن الأول هو ركن الألعاب الإدراكية، وفيه أعلم الطفل كيف يميز بين الحروف والأرقام، الركن الثاني هو ركن البحث والاستكشاف، وفيه يتعلم الطفل كيف يجري التجارب،
ومن التجارب التي أعلمها للطفل «اختبار الحواس» فيختبر حاسة الشم عن طريق الروائح المختلفة، وحاسة التذوق أيضا، وكذلك حاستي اللمس والسمع، حيث أجعله يتحسس الأشياء ويستمع إلى أصواتها، الركن الثالث هو ركن المطالعة، وفيه توجد مجموعة من القصص المصورة، الركن الرابع هو ركن المكعبات،
حيث يتعلم الطفل كيف يكون الأشكال ويبنيها، وأيضا يتعرف على ألوانها المختلفة، الركن الخامس هو ركن التمثيل، وأعتبره بمثابة مسرح لاكتشاف المواهب وتنمية الخيال لدى الطفل، وفيه يقوم الأطفال بتقمص شخصيات مختلفة، كشخصية طبيب مثلا، ويبدأ تمثيل دوره في معالجة المريض،
وهكذا، الركن السادس والأخير هو ركن الحاسوب، وفيه أعلم الأطفال بعض المهارات اللغوية كالتعرف على الحروف من خلال استخدام برنامج ألـ «البوربونت»، فهذا البرنامج يمكن استخدام الصوت والصورة فيه، وهذان العنصران مهمان لجذب انتباه الطفل، وتقول حول المشاكل التي تواجهها:
أهم مشكلة واجهتني، هي التعامل مع فئات معينة من الأطفال، وهم المشاغبون، الخجلون جدا، وكثيرو النوم، هذه الفئات الثلاث وجدت صعوبة في التعامل معها ومازلت، ولكن كما قلت مع الممارسة والتعلم والتقرب من مجتمع الأطفال، استطعت فهمهم والتعامل معهم.
وتعتقد شمة أن فترة فصل دراسي كافية لاكتساب المهارات الأساسية للتعامل مع الأطفال، وتنصح زميلاتها اللاتي سيلتحقن بالتدريب الميداني ألا يتجاهلن حضور المشاهدات الميدانية التي تخصصها الكلية لبعض المساقات، لأن من خلال هذه المشاهدات أو الزيارات سيتعرفن إلى طبيعة التدريب الميداني.
الطرف الآخر ..
وتقول الطالبة المتدربة مريم راشد: أحب رياض الأطفال، لهذا فالتدريب بالنسبة لي ممتع رغم وجود بعض الصعوبات التي واجهتها في البداية، مثل التعامل مع الأطفال المشاغبين، حيث فقدت القدرة على ضبطهم، ولكني الآن أصبحت أكثر خبرة في التعامل معهم، وتتابع: من خلال التدريب الميداني ازددت ثقة في نفسي واكتسبت خبرة في كيفية التعامل مع الآخر واحترامه حتى ولو كان طفلاً.
وتؤكد على أهمية أن تستغل الطالبة المتدربة ما تعلمته من نظريات خلال دراستها في الكلية، لأن تطبيق هذه النظريات سيساعدها عمليا وميدانيا.
وتتحدث الطالبة المتدربة سمية محمد عن أهم المشاكل التي واجهتها خلال التدريب، فلقد وجدت صعوبة في السيطرة على الأطفال، كما أن صوتها الهاديء لم يساعدها في التعامل معهم، غير أنها الآن تحاول شيئا فشيئا أن ترفع من نبرات صوتها وتعمل على تقويتها، وتقول: أرجو من المعلمات المتعاونات أن يفسحن المجال لنا لأن نكون مع تلاميذنا، بمعنى أن يتركونا نتفاعل مع الأطفال بطريقتنا الخاصة، أعتقد أنه بهذا الشكل سنعتاد عليهم أكثر، ونكتسب المقدرة في السيطرة عليهم، خاصة وأن الأطفال لا يستجيبون لنا باعتبار أننا متدربات.
ضبط النفس...
تقول الطالبة المتدربة حمدة عبد ربه: هناك فرق كبير بين التدريب الميداني والمحاضرات النظرية، ففي المحاضرة نتعلم ونتلقى المعلومات، أما في التدريب الميداني فنقوم بتوظيف تلك المعلومات والنظريات للإفادة منها عمليا، وما يعجبني في التدريب الميداني أننا نتعلم كيف نتعامل مع المواقف المختلفة التي يمكن أن تواجه أي مدرسة في مجال عملها، لذا أنصح كل متدربة أن تثق في نفسها، وفي قدراتها، وأن لا تتردد في البحث عن المعلومة والإفادة، وأن تحاول خلق جو خاص بها يميزها عن غيرها من الزميلات.
وتتابع: إن أهم شيء في التعامل مع الأطفال هو أن نعرف كيف نضبط أنفسنا، وهذا الأمر يتم اكتسابه تدريجيًا مع الوقت، المهم أن نحتفظ بهدوء أعصابنا، وأن نكون صبورات.
تتعجب الطالبة عائشة محمد النقبي من الطالبات اللاتي يصفن التدريب الميداني بأنه صدمة، وتقول: ليست هناك صدمة، فمعظم المساقات التي ندرسها في كلية التربية فيها جانب عملي يحتاج إلى زيارة ميدانية للمدارس، وهذه الزيارة كافية لإعطائنا التصور المناسب لطبيعة التدريب الميداني. وتؤكد على أهمية التفاعل الجيد مع الأطفال والمعلمات، وضرورة الثقة في النفس.
الخيال ضروري ..
تقول الطالبة المتدربة سلامة عبيد: من المهم أن يصل المعلم الناجح إلى مستوى الطفل، فالأطفال بحاجة إلى صديق يستوعبهم، ويفكر بتفكيرهم، وهذا ما أحاول تطبيقه، ولقد تعلمت كيف أتعامل مع الحالات الخاصة وذلك بإعطائها اهتماما أكبر، فمثلاً لدي طفل يعاني من مشكلة في النطق، وعندما تواصلت مع أهله، عرفت أن هذا العيب وراثي، فبدأت بالجلوس معه لفترات أطول، وهو يستجيب لي بشكل جيد.
وتتابع: من الضروري أن تستعمل المتدربة خيالها لتبتكر الوسائل المناسبة التي تسهل عليها عملية التواصل مع الأطفال، فمثلاً ابتكرت لعبة الأصوات، وفيها يقوم الطفل بتقليد الأصوات التي يسمعها، وأيضا هناك عدد من الأنشطة، فقد طلبت من الأطفال أن يستخدموا خيالهم في ابتكار بطاقات تهنئة بمناسبة العيد، وأيضا قمت بمشروع صغير في رمضان،
حيث وجهت دعوة إلى إحدى الأمهات لتقوم أمام الأطفال بعمل حلوى من التمر وتقديمها لهم، وذلك لأني أردت أن أعرفهم إلى التمر على اعتبار أنه يبدأ بالحرف «تاء». وتقول عن طموحاتها المستقبلية: أحلم بإنشاء مشروع لروضة أطفال نموذجية، فالأطفال يستحقون أن نعمل لأجلهم، لأنهم جيل المستقبل، وهناك مقولة جميلة تقول (إن أعظم اختراع هو الاختراع في عقول الأطفال).
وتختتم كلامها: من المهم أن نستخدم مع الأطفال أسلوب التعزيز، فمثلما أعاقبه إذا أخطأ، علي أن امتدحه وأثني عليه إذا أصاب، وأنصح كل طالبة متدربة أن تستفيد من فترة التدريب، وأن تظهر بشخصيتها وأفكارها وابتكاراتها، وألا تكون نسخة عن غيرها
صفاء الشامسي - هدى عمار
