في الأسبوع الذي أخذ بوش يتخيل أن (حربه على الإرهاب) الغارقة بالدماء ستقود القرن الحادي والعشرين إلى (عصر مشرق من الحرية الإنسانية )، تفحصت بريد الرسائل الخاص بي فوجدت رسالة تبعث على الخوف أرسلها أميركي من المحاربين القدامى يعمل ابنه ملازماً أول وطبيباً مع القوات الأميركية في بغداد. فحوى الرسالة ببساطة هو أن صديقي الأميركي يعتقد بأن تغيير العقيدة العسكرية في ظل قيادة إدارة بوش من عقيدة (الجندي) إلى عقيدة (المحارب) يشجع القوات الأميركية على ارتكاب الفظائع.

من أبو غريب إلى غوانتانامو إلى باغرام، إلى ساحات القتال في العراق إلى سجون وكالة المخابرات المركزية (السوداء)، أضحى الإذلال والتعرض للضرب والاغتصاب والجرائم الآن أمراً مألوفاً لدرجة أن كل هجوم جديد يدس في الصفحات الداخلية من صحفنا.

إن دفتر تقاريري مليء بالشكاوى التي يقدمها الأفغان والعراقيون بشأن تعرضهم للتعذيب والضرب من أغسطس 2002، ثم من 2003 إلى الوقت الراهن. السؤال الذي يلح علي هو:كيف حدث ذلك؟ من الواضح أن الطريق يقود إلى القمة. ولكن أين بدأ مذهب الوحشية هذا؟

بدايةً إليكم عقيدة الجندي الرسمية في الجيش الأميركي التي صيغت لمنع حدوث المزيد من الفظائع في فيتنام:

'' أنا جندي أميركي. وعضو في جيش الولايات المتحدة الأميركية- مدافع عن الأمة الأعظم على وجه الأرض. ولأنني فخور باللباس العسكري الذي أرتديه، سأتصرف دائماً بالطرق المشرفة للخدمة العسكرية والدولة التي أقسم الجميع على حمايتها....

ومهما كان الموقف الذي سأكون فيه، فإنني لن أقوم بأي شيء على سبيل المتعة، الربح أو الأمن الشخصي، يلحق العار بلباسي العسكري، وحدتي أو بلدي. سأستخدم كل وسيلة لدي، حتى خارج الخطوط العامة للخدمة العسكرية، لمنع رفاقي في الخدمة من التصرف بشكل يلحق العار بأنفسهم وبلباسهم العسكري. أنا فخور ببلدي وبعلمها. سأحاول أن أجعل شعب هذه الدولة فخورا بالجيش الذي أقوم بتمثيله لأنني جندي أميركي.

والآن هذه هي النسخة الجديدة لما يسمى( القواعد الأخلاقية للمحارب): أنا جندي أميركي. أنا محارب وعضو في فريق. أقوم بخدمة شعب الولايات المتحدة وأعيش وفق القيم التي وضعها الجيش.

سأضع دائماً مهمتي على رأس الأولويات. لن أقبل بالهزيمة. لن أنسحب على الإطلاق. لن أترك رفيقاً سقط على الأرض على الإطلاق. أنا منضبط، وقوي بدنياً وذهنياً، مدرب وبارع في المهام الحربية والتدريبات.

أحافظ دائماً على أسلحتي، معداتي ونفسي. أنا خبير ومحترف. أقف مستعداً للانتشار، الاشتباك، وتدمير أعداء الولايات المتحدة الأميركية في معركة وجهاً لوجه. أنا حامي الحرية ونمط الحياة الأميركي. فأنا جندي أميركي''.

على غرار معظم الأوروبيين، لم أكن مدركاً تماماً لهذا (الدستور) الصارم الذي وضع للقوات المسلحة، على الرغم من أنه ليس من الصعب رؤية كيف يلائم هذا تبجح بوش.

لقد أغراني أمر الإشارة إلى هذا الأمر بالتفصيل، ولكن الجندي الأميركي فعل ذلك من خلال عبارات منمقة جداً في رسالته التي وجهها إلي، بأنه يتعين على الرد أن يكون بالكلمات التي جاءت على لسانه: (عقيدة المحارب لا تسمح بأي نهاية لصراع ماعدا التدمير الكامل للعدو. لا تسمح بالهزيمة،ولا تسمح للمرء على الإطلاق بوقف القتال (مستسلمة للفكرة التي تنادي بالحرب الطويلة).

لا تذكر شيئاً عن إتباع الأوامر، ولا عن الامتثال للقوانين أو إظهار أي تحفظ. ولا تأتي على ذكر الأفعال الشائنة). والآن، أكتشف كل يوم أمثلة جديدة على الوحشية العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان.

وها هو، على سبيل المثال، المتخصص في شؤون الجيش توني لاغورانيس، عضو في فريق الاستجواب الأميركي المتنقل الذي يعمل مع المارينز الأميركي، يتحدث في مقابلة أجرتها معه آمي غوودمان لبرنامج (ديموكراسي ناو) واصفاً عملية نفذت في 2004 في بابل، خارج بغداد:(في كل مرة تخرج فيها وحدة فورس ريكون في غارة، يعود أفرادها ومعهم سجناء مصابون برضوض، وعظامهم مكسورة، وأحياناً مصابون بحروق. كانوا وحشيين للغاية مع هؤلاء السجناء.

وكنت أسأل السجناء عما حدث، وكيف أصيبوا بهذه الجروح. فكانوا يخبرونني بأن ذلك حدث بعد القبض عليهم عندما كان يتم إخضاعهم، وكانت الأصفاد في أيديهم، و كان يتم استجوابهم من قبل وحدة فورس ريكون من المارينز. وقد أجبر أحدهم على الجلوس على ماسورة عادم مركبة الهمفي، وأصيب بقرحة كبيرة، وبحروق من الدرجة الثالثة في الجزء الخلفي من ساقه).

ذكر لاغورانيس، والذي أعيد سرد قصته بصورة قوية في كتاب غودمان (بلا حراك)، هذه الوحشية أمام ميجور في المارينز وكولونيل محامي من مكتب النائب العام الأميركي. لكنهم لا يريدون أن يسمعوا، أتعلم؟ كانوا يريدون أرقاماً. كانوا يريدون أعداد المتهمين بالإرهاب الذين تم اعتقالهم، كي يطلعوا الجنرال عليها.

تتزايد قصص الوحشية كل أسبوع وأحياناً كل يوم. في كندا، تقدم جندي أميركي هارب بطلب الحصول على وضع لاجئ وقدم رفيق له في الخدمة دليلاً يبين أنه عندما كانت القوات الأميركية تشاهد الأطفال مستلقين على الشارع في الفلوجة، كانت تصدر الأوامر لهم بقيادة سياراتهم فوق أجساد هؤلاء الأطفال من دون توقف.

هذا ما يحدث عندما (تضع المهمة على رأس الأولويات)، عندما تقوم بتدمير الأعداء، بدلاً من هزيمتهم. وكما قال صديقي الأميركي ، المحارب القديم:(إن الممارسات التي تجري في السجون العسكرية ومئات الحوادث التي تم ذكرها بحق المدنيين في العراق، أفغانستان وأي مكان ليست انحرافات-وإنما هي، بحسب القواعد الأخلاقية، جزء مما يعتزم أن يكون عليه الجيش الأميركي).

ترجمة: كوثر علي

عن (اندبندنت)