تبدو الحقيقة في غرف صنع القرار في دمشق بعيدة عن المتناول في الغالب. لكن هذا الأمر يعد إشارة إلى عدد المرات التي استطاع الرئيس السوري بشار الأسد فيها خدمة مصالح دمشق من خلال قول الحقيقة، الأمر الذي لم يقم به أي قائد عربي آخر خلال الأسابيع الماضية، والحقيقة هي أن مقاتلي حزب الله اللبنانيين انتصروا ـ في الواقع ـ في هذه الجولة من الحرب مع إسرائيل.
كان هناك كثير من الغلو في خطاب الأسد. فلا يمكن لصراع قضى على حياة 1000 مدني لبناني أن يسمى «معركة مجيدة» لكنه على الأقل عكس الحقيقة أكثر من نظيره في واشنطن، الذي زعم، بدافع خداع الذات أو حبه لإسرائيل، بأن حزب الله قد انهزم في لبنان.
إن نصر «إسرائيل» في لبنان ينبغي أن يضاف بصورة مفترضة إلى «انتصاراتنا» الشهيرة في العراق وأفغانستان. كانت كل من روسيا وإيران، وفقاً للرئيس الأميركي بوش، مسؤولتين عن «معاناة» لبنان، وهو ما يتضمن بعض بذور الحقيقة .
حيث ان حزب الله هو الذي تسبب بوقوع هذه الحرب من خلال قيامه بأسر جنديين إسرائيليين وقتل آخرين في 12 يوليو، على الرغم من أنه لم يكن سلاح الجو السوري أو الإيراني هو الذي أودى بحياة قوافل المدنيين الأبرياء من اللاجئين في لبنان. لذا فإن الرئيس بشار الأسد لا بد أنه قد استمتع بخطابه المنمق في دمشق أخيراً.
فقد قال« هذه إدارة أميركية تتبنى مبدأ الحرب الاستباقية الذي يتنافى مع مبدأ السلام ، وبالتالي فإننا لا نقبل بالسلام في القريب العاجل أو في المستقبل المنظور».
بإمكان الأسد قول ذلك مجدداً. في الواقع، ليس هناك شيء يشير إلى أن حزب الله يعتزم «نزع السلاح» بموجب بنود قراري مجلس الأمن الدولي 1559 و1701 أكثر من استعداد إسرائيل للالتزام بقرار مجلس الأمن 242 والانسحاب من المناطق العربية التي احتلتها عام 1967.
غير أنه من الواضح أن الأسد يرى نفسه الآن عائداً إلى مركز النفوذ العربي بعد انسحاب جيشه من لبنان العام الماضي. فقد قال إنه لم يعد هناك حاجة للشعور بالانهزامية بين العرب، وهو شعور سائد بشكل واسع في العالم العربي الحقيقي ولكنه غائب تماماً عن الشرق الأوسط المتخيل من قبل الرئيس بوش.
إن حقيقة كون سوريا هي الدولة الوحيدة من بين كل الدول، التي يمكنها إعلان هذا الأمر ليلقى الكثير من الاستحسان ربما تفصح لنا عن واشنطن أكثر مما تفعله عن دمشق. وبالطبع، فإن عودة مرتفعات الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل هي الأمر الذي يقف وراء هذه الحرب الكارثية برمتها.
الحقيقة هي أن إسرائيل باشرت هجومها على لبنان بزعم أن الحكومة اللبنانية هي المسؤولة عن هجوم حزب الله ـ وهذا الأمر غير صحيح كما هو واضح ـ وان العمليات العسكرية التي تشنها من شأنها أن تؤدي إلى إطلاق سراح الجنديين الأسيرين.
وهذا الهدف لم تنجح إسرائيل في تحقيقه على نحو واضح. فقد كان مقتل 40 جندياً في غضون 36 ساعة ونجاح هجمات حزب الله ضد المدرعات الإسرائيلية في لبنان بمثابة كارثة بالنسبة للجيش الإسرائيلي.
إن حقيقة قيام سوريا بالتغني بـ «انجازات» حزب الله في الوقت الذي تجنبت تدمير عشبة واحدة داخل سوريا توحي بسخرية لا يزال يتعين على الناس في العالم العربي إدراكها. ولكن بالنسبة إلى الوقت الراهن، فإن سوريا قد حققت النصر.
ومن الواضح أن إيران ـ باعتبارها الداعمة الرئيسية لحزب الله ـ تفكر على هذا النحو أيضاً. والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يدين الولايات المتحدة لقيامها بتزويد إسرائيل بالأسلحة التي استخدمتها ضد المدنيين اللبنانيين ـ .
ولكنه لم يذكر أن صواريخ حزب الله تأتي من ترسانة إيرانية من الجيل الجديد والتي لم تكن موجودة حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988. وبينما ستكون الولايات المتحدة متحمسة لتقييم فاعلية أسلحتها ـ وإن كانت قد استخدمت بشكل كبير ضد المدنيين ـ فإنه ما من شك بأن إيران ستقوم أيضاً بتقييم نجاح صواريخ الفجر الجديدة الخاصة بها، وتأثيرها على الجيش الإسرائيلي.
ترجمة: كوثر علي
عن«اندبندنت»