يا إلهي، لا للديمقراطية مرة أخرى! ألم نمنح تلك الديمقراطية إلى الجزائريين في 1991؟ ألم يكافئونا بتلك الهدية الجميلة التي تمثلت في صعود حكومة إسلامية إلى سدة الحكم، ثم حدث وأن قاموا بدافع الخير بإلغاء الجولة الثانية من لانتخابات؟ حمدا لله على ذلك!

حقيقي أن الأفغان انتخبوا مجموعة من النواب، غير أن هؤلاء النواب كان منهم قادة حرب وقتلة. وحدث بعد ذلك أن انتخب العراقيون العام الماضي حزب الدعوة وصعدوا به إلى السلطة في بغداد، وهو الحزب الذي كان مسؤولا - دعنا لا نقول هذا في واشنطن ـ عن معظم عمليات الخطف التي تعرض لها الغربيون في بيروت في الثمانينات وأعمال التفجير التي تعرضت لها السفارتان الأميركية والفرنسية هناك.

والآن وفي تطور مرعب بكل ما تحمله الكلمة من معنى جاء الفلسطينيون لينتخبوا الحزب الخطأ ليعتلي السلطة. كان من المفترض عليهم أن ينتخبوا حركة فتح الصديقة والموالية للغرب والتي وعدت بـ «السيطرة» عليهم بدلا من أن ينتخبوا حماس التي قالت إنها ستمثلهم. يا للهول لقد اختاروا الحزب الخطأ مرة أخرى.

نتيجة الانتخابات كانت كالتالي: فوز حماس بـ 76 مقعدا من أصل 132 مقعدا برلمانيا. هذا بالفعل يكفي. الله يلعن تلك الديمقراطية. ماذا عسانا أن نفعل مع هؤلاء الناس الذين لا يصوتون كما ينبغي؟

بالعودة إلى ثلاثينات من القرن الماضي، يتبين أن البريطانيين كانوا يسجنون المصريين على شاكلة الذين انقلبوا على حكومة الملك فاروق، الأمر الذي تسبب في البدء في وضع هيكل الإدارة المعادية للديمقراطية التي تولت زمام الأمور بعد ذلك. واعتقل الفرنسيون أعضاء الحكومة اللبنانية التي طالبت بالأمر ذاته. ثم غادر الفرنسيون لبنان. غير أننا دائما نتوقع من الحكومات العربية أن تفعل ما يُملى عليها.

فاليوم نحن نتوقع من السوريين أن يتصرفوا بشكل مهذب ومن الإيرانيين أن ينصاعوا إلى رغباتنا النووية (وذلك على الرغم من أنهم لم يقوموا بأي إجراء غير قانوني) ومن الكوريين الشماليين أن يسلموا أسلحتهم (على الرغم من أنهم بالفعل يمتلكون تلك الأسلحة وبالتالي لا يمكن مهاجمتهم).

واليوم فلندع عبء السلطة يقع بقوة على كاهل حماس. فلندعهم يتحملون مسؤوليات الشعب. نحن البريطانيين لن نتحدث مطلقا إلى الجيش الجمهوري الأيرلندي ولا إلى المنظمة الوطنية لمقاتلي قبرص ولا إلى الماو ماو. ولكن في الوقت المناسب جاء جيري أدامز ورئيس الأساقفة ماكاريوس وجومو كينياتا ليتناولوا الشاي مع الملكة. لم يكن الأميركيون ليتحدثوا مطلقا إلى أعدائهم في شمال فيتنام. ولكنهم فعلوا ذلك في باريس.

لا؛ تنظيم القاعدة لن يفعل ذلك. ولكن القادة العراقيين لحركة التمرد في بلاد الرافدين قد تحدثوا إلى البريطانيين في 1920 وسيتحدثون إلى الأميركيين في 2006.

و بالعودة إلى 1983 نجد أن حماس تحدثت إلى الإسرائيليين. فقد تحدثوا إليهم بشأن انتشار المساجد والتعليم الديني. وتفاخر الإسرائيليون بشأن ذلك الأمر وتحدثوا عنه على الصفحة الأولى من جريدة «جيروزاليم بوست». وفي الوقت ذاته كان واضحا أن منظمة التحرير الفلسطينية لن تلتزم باتفاقيات أوسلو. ولهذا لا يبدو أن هناك خطأ في مواصلة التحدث إلى حماس. كيف إذاً تبدو المباحثات مع حماس وكأنها ضرب من ضروب المستحيل؟

وبعد فترة ليست بالطويلة من انتقال قيادة حماس إلى جنوب لبنان ، سمعني أحد كبار قادة الحركة وأنا أقول إنني في طريقي إلى إسرائيل. فما كان منه إلا أن قال لي: «من الأفضل أن تتصل بشيمون بيريز. هذا هو رقم هاتفه».

و كان بالفعل رقم هاتفه، وهو ما يعد دليلا على أن قيادات معظم الحركات الفلسطينية المتشددة كانوا يتحدثون إلى كبار السياسيين الإسرائيليين.

و يعلم الإسرائيليون جيدا أفراد قيادة حماس، الذين هم أيضا يعلمون الإسرائيليين بشكل جيد. وليس هناك معني في التلميحات التي تفيد غير ذلك والتي يعرضها بعض الصحافيين من أمثالنا. إن أعداءنا بلا استثناء يتحولون ليصبحوا أكبر أصدقائنا ويتحول أصدقاؤنا ليصبحوا بشكل محزن أعداءً لنا.

يا لها من معادلة رهيبة، غير أنه يتعين علينا فهم تاريخ آبائنا. لقد ترك لي والدي الذي كان جنديا في الحرب العالمية الأولى خريطة توضح مناطق الاحتلال الانجليزي والفرنسي في الشرق الأوسط. وحاول الأميركيون عبثا منذ الحرب العالمية الثانية أن يحكموا المنطقة، وفشلوا جميعا . وتبقى لعنة حكم المنطقة ملتصقة بنا.

كم هو فظيع أن يضطر المرء إلى التحدث إلى من قتل أبناءنا. ياله من أمر مروع أن يضطر المرء إلى التحدث مع هؤلاء الذين تلطخ أيديهم دماء إخواننا. لا شك أن ذلك كان شعور الأميركيين- الذين آمنوا بالاستقلال- تجاه الإنجليز الذين فتحوا النار عليهم.

و سيعود الأمر للعراقيين فيما يتعلق بالتحدث إلى تنظيم القاعدة. تلك هي مشكلتهم وليس مشكلتنا. وعلى الرغم من ذلك فإن كل أحداث التاريخ تشير إلى إننا تحدثنا في النهاية مع أعدائنا. فقد تحدثنا إلى مندوبي إمبراطور اليابان. وفي النهاية تعين علينا قبول انسحاب الرايخ الألماني . واليوم نتعامل تجاريا بكل سعادة مع اليابانيين والألمان والإيطاليين.

الشرق الأوسط لم يكن أبدا وريثا لألمانيا النازية أو إيطاليا الفاشية على الرغم من كل الهراء الذي يقوله بوش وبلير. إلى متى ستطول بنا الحال قبل أن ننفض عن أنفسنا عبء تلك الحرب الأكثر فظاعة بين كل الحروب ونركز على رؤية مستقبلنا وليس ماضينا باعتباره حقيقة؟

في زمن لم تعد فيه حكوماتنا تضم الرجال والنساء الذي مروا بتجربة الحرب، أصبح يتعين علينا الآن أن نقود الشعوب إلى فهم معنى الحرب. ولا يتأتى هذا من خلال هوليوود ولا من خلال الأفلام الوثائقية. الديمقراطية تعني الحرية، وهذه الحرية لا تُمنح فقط لهؤلاء الذين نختارهم ليصلوا إلى السلطة من خلال الانتخاب.و تلك هي مشكلة الشرق الأوسط؟

عن «تروث أوت»