يبقى السؤال مطروحاً بإلحاح: إلى أين تتجه الموسيقى والغناء في دولة الإمارات؟

رغم وفرة الأصوات الجديدة، والملحنين، ومؤلفي الأغاني، ووجود مثقفين ذوي وعي موسيقي عالٍ، فإن الأغنية الإماراتية ما زالت تواجه أزمة إنتاج حقيقية، لا أزمة موهبة. المواهب موجودة، والطاقات حاضرة، لكن الطريق مسدود أمام غياب البنية المؤسسية التي تمنح الفن استمراريته، إذ لا إنتاج من دون منتِج، ولا ازدهار من دون مؤمنٍ بالإبداع.

الساحة الفنية الإماراتية بحاجة إلى مؤسسة ثقافية متخصصة، تتبنّى المواهب الغنائية، وتمنحها الدعم المادي والمعنوي، وتفتح أمامها قنوات للبثّ الإذاعي والتلفزيوني، تُظهر أصواتها، وتتيح لها التواصل مع جمهورها، فكثير من الفنانين اليوم يعيشون حالة من الصمت، يملكون الإحساس، ولا يجدون الطريق إلى الضوء.

ولأن الفن نظام قبل أن يكون شعوراً، فلا بد من لجان فنية حقيقية، تملك معرفة دقيقة بطبيعة النص الغنائي، أيّ لجان تُدرك أن الأغنية ليست لوناً واحداً، بل فضاء يجمع الشعر النبطي والفصيح والتفعيلة، وتُقيّم النص واللحن والصوت على أسس فنية بحتة، لا على الأسماء أو المجاملات، فالفن لا يُقاس بالحجم أو الشهرة، بل بصدق الأداء وجمال الإحساس..

كما أن تنظيم الإنتاج بات ضرورة، بدءاً من لوائح للأجور، وحقوق الفنانين، إلى دعم تسجيل أعمالهم في استوديوهات محلية محترفة، كي يحظى الفنان الإماراتي ببيئة إنتاج عادلة، تماماً كما تفعل الدول التي ترعى فنّانيها كجزء من هويتها الثقافية.

من واجب المؤسسات الإعلامية نشر الأغنية الإماراتية خارج الحدود، إلى العالم العربي والعالم، عبر المهرجانات والأسابيع الثقافية الدولية، جنباً إلى جنب مع الفرق الشعبية التي تمثل تراثنا الموسيقي، وهذا يدعونا أن نقول أيضاً إن جمعيات الفنون الشعبية مطالَبة بتجديد دمائها، ومنح المتدرّبين حوافز رمزية، تُبقي الفنون حيّة، لأن الغناء الشعبي هو مرآة الوجدان الجمعي.

في النهاية، ليست أزمة الغناء الإماراتي أزمة صوتٍ أو لحن، بل أزمة احتضان مؤسسي، فحين تلتقي الموهبة بالإرادة، ويجد الفن من يؤمن به ويحميه، ستولد من الإمارات موسيقى وأصوات تعبّر عنا جميعاً.

فالفنون إن توقفت، توقفت معها الذاكرة الجماعية للأمة.. وعلينا أن نعيد إلى الصوت المحلي مكانته التي يستحقها بين أوطانٍ عرفت كيف تحمي فنّها، وتصون أصواتها من الغياب.