كل عمل إبداعي يحمل فِكْرَته، وكلما كانت الفكرة مميزة، دَعَمَتْ نجاح العمل، وبالتحديد الفكرة التي لا مثيل لها لا بد من أن تُخلِّد العمل، أما بعد الفكرة، فتأتي الأدوات الإبداعية الأخرى المساعدة للعمل، فلا قصة أو قصيدة دون فكرة، فما بالنا برواية ذات أفق ومسار وكيان؟ وللتوضيح أكثر، فإن عموم الكتابة الإبداعية هي فكرة أصيلة تجمع المتناثر في وعاء، فكرة تحمل سرها، تكشفها رويداً رويداً من خلال نوايا القول المجازي، أو ضمائر الشخصيات المتخيلة بوجدانياتها وإدراكها وحُنُوّها وحواسها، متحولة كل تلك الأدوات إلى عمل أساسي للكتابة الإبداعية.

وما يحصل مع فكرة الكاتب المميزة، أنه يدمرها إن حدد من يخاطب في عمله، ليأتي الخيال محدوداً، والكتابة محدودة مقارنة بالكاتب المحلق بجناحين، والأجنحة في آثار البشرية ترمز إلى المجد، بدليل أنهم وضعوا الأجنحة على جسد الثور الذي يمثل المال والقوة، وعلى ظهر الأسد صاحب السلطة، والحصان المجنح رمز الازدهار والنجاح... إذن كلما اعتلى الكاتب بجناحيه عالياً، انعتقت الكتابة وتحولت إلى إنتاج باهر.. ولا بقاء لكاتب يحدد من يخاطب، بين أصدقائه ومعارفه ونقاده، بلغته القاصدة دون إمتاع رغماً عن أهدافه، مهما حاول.. وهذا بكل تأكيد بلا أجنحة، ولن تتخطى أقدامه الأرض.

دعونا نتذكر المرحلة الابتدائية الحاسمة لنا كتلامذة، لنميز المبدع وغير المبدع، وبالتحديد في حصة الإنشاء ودفتر التعبير، ونكون أو لا نكون، ونحن نؤمر بالكتابة عن الأفكار المقترحة لنعبر عنها، مثل كيف قضيت إجازة الصيف، أو صف لنا حكاية الغني والفقير، أو اكتب عن الاتحاد، أو الأم، أو ما الفرق بين البحر والبر.. وكنا حينها على الفطرة مِنّا من يتعلم أن الكتابة الإبداعية مغامرة، ومنّا من يرى أنها خطاب للمعلم فقط من أجل درجة.

كبرنا ووجدنا أنفسنا بين الكتابة الإبداعية والكتابة التقليدية، منهم من يأخذه الإنشاء إلى الأفكار الخلاقة، أما الأغلب فإلى تسيير الأمور، وهذه هي الحياة.. ليجد المبدع نفسه مكابداً وجهاً لوجه مع الكتابة، يلزم نفسه بالمعرفة، والبحث والاكتشاف في الأشياء، وحتى يأتي دور الاشتغال على الكلمات، يصبح الخيال لعبة صعبة، نعم صعبة، لأنه في جذوره تحليق في الآفاق ومخاطرة دون النظر إلى الأسفل، خالقاً في العُلا قاموسه الميثولوجي والفكري، بحثاً ومكاناً للعب، لعب يخلق منه إبداعاً يخاطب به العامة والخاصة، فلا فرق بينهما.

فمن تخاطب أيها الكاتب وأنت تكتب فكرتك الإبداعية الأصيلة؟