لا تخلو أمة من الأمم من الحكمة أو من آثارها. لذلك قالوا: «الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ»، أَي لَا يَزالُ يَتَطَلَّبُها ويسعى وراءها، ويبحث عنها كَما يَتَطَلَّبُ الرجل ضَالَّتَهُ. وقال الحكماء: لا يطلب الرجل حكمة إلا بحكمة عنده.
وعليه فإن الحكمة هي: اسم جامع لكل علم حسن، وعمل صالح. وعلى هذا فإن الحكمة لا تخرج عن هذين المعنيين؛ فكمال الإنسان في شيئين: معرفة الحق لذاته، والخير للعمل به، فمرجع الأول إلى العلم والإدراك، والثاني: إلى فعل العدل والصواب.
قال المؤرخ جواد علي: «الحكمة عند الجاهليين، هي الخبرة المكتسبة من الملاحظات العميقة إلى الأشياء، أو المستخلصة من التجارب، وبمعنى العلم والرأي الصائب. وبهذا المعنى جاءت الحكمة عند الساميين. فقد كان الحكيم عندهم العالم الذكي الفطن الذي ينظر بعين البصيرة إلى أعماق الأمور بتؤدة وتبصر وأناة، فيبدي رأيه في كل شيء في الحياة؛ من سياسة واقتصاد، ومن أمور تخص السلم أو الحرب، أو الخدع، والحكم بين الناس. ولهذا كان الحكماء في أعلى الدرجات في مجتمعهم من ناحية الثقافة والرأي».
وقد اشتهر في العرب حكماء عدة؛ مثل أكثم بن صيفي، وقُسّ بن ساعدة الإيادي، وعمرو بن مَعديكَرِب وغيرهم، فكانت أقوالهم تمثل دستور الأخلاق في مجتمعاتهم وعصرهم. كما أن لقمان الحكيم كانت له حكم معروفة عند الجاهليين جُمعتْ في صحيفة تدعى «مجلة لقمان».
وكثير مما ورد في أشعار الجاهليين مثل شعر زهير بن أبي سلمى يُحملُ على ما ذكرنا من معنى أو معاني الحكمة والتمدح بها والثناء عليها.
لذلك ثمن النقادُ بيت زهير:
تَراهُ إِذا ما جئتهُ مُتَهَلِّلاً كَأَنَّكَ مُعطيهِ الَّذي أَنتَ سائِلُه
قال الثعالبي: وقع الإجماع على أنه أمدح بيت للعرب.
وقيل لخلف الأحمر: زهير أشعر أم ابنه كعب؟ قال: لولا أبيات أكبرَها الناس لزهير لقلت إن كعباً أشعر منه. يريد بيته الفائت.
وقال عبد الملك لقوم من الشعراء: أي بيت أمدح؟ فاتفقوا على بيت زهير.