وفي يده كل يوم قصاصة ورقية صغيرة، كانت أغلبها بالقلم الرصاص، فيها أبياته الجديدة، أو مطلع قصيدة، وتبدو أنها الفكرة، أو كما يقال الشرارة الأولى، ولأنه شاعر كبير وحقيقي، كان يقوم بمشاورة الجميع، من الشعراء والمحررين، وحتى الموظفين، ويصر على سماع رأيهم في ما كتب، وحتى مع أولئك الذين لا يفقهون الشعر، يسألهم عن مشاعرهم تجاه موسيقى الكلام.
وكأنه يقف على حافة النور طوال الوقت، منصتاً لهم، وفي عينيه دهشة الشعر، وبالمقابل، يتقن ضيافة ما يقال، ويحسن استقبال النقد، يراقبهم، ويستقبل كلماتهم، ويرى عوالمهم الداخلية المشبعة بالجرح والحلم.. كان مؤمناً بأن الشعر قادر على تغيير العالم، إلى ما هو أنقى وأصفى.
ولأنه شاعر حقيقي، عاش الدنيا مرتين، مرة في واقعه الخارجي، ومرة في صداه الداخلي، والصدى صوت يكشف الأعماق، ولعله صوت صريح.. ليبقى بين هذين العالمين، الداخل والخارج، وسيرة حياة شاعر مختلف، في هذه الثنائية المبتكرة من العالمين، حيث ولدت قصائده المميزة، التي حوّلَها إلى صوَرٍ ومعانٍ، لتتجاوز ذاته، لتسكن وجدان الآخرين.. ويصبح صوت من لا صوت له.