رواية «صلاة القلق» للكاتب المصري محمد سمير ندا، نص رمزي تتقاطع فيه الحكاية بالتاريخ، والأسطورة بالواقع، والفردي بالجماعي، ليتحول القلق -ذلك الإحساس المراوغ والمنهك- إلى بنية سردية وقيمة معرفية.

الرواية تدور في نجع المناسي، قرية صعيدية تعيش عزلة زمنية ومكانية، يقع انفجار غريب في السبعينيات يؤدي إلى انتشار وباء يشوه أجساد السكان ويقلب حياتهم، في سردية تراوح بين الواقعية السحرية والفانتازيا التأملية، والحقيقة.. إنها مسائلة التاريخ العربي الحديث من نكسة 1967 حتى الانفتاح في عهد السادات عام 1977 م، بلغة بالغة العناية تميل إلى الحيرة ثم بعد ذلك يكثف، ويزاوج بين اللغة الشفاهية التي تحمل حكمة القرى، واللغة الفلسفية التي تدنو من البوح الصوفي، غالباً تنتهي بتماسك وشغف، كما لو أن النهاية ليست جزءاً من مهمة الرواية.

ولا مناص من القول إن بنية الرواية عمل أرشيفي ومحاولة للبحث عما حدث، والمؤلف يشكل من خياله الوعي بما حدث في النجع برمزيته من طين وسلطة ومعجزة.. وأصوات لثماني شخصيات متعددة، كل منهم يرى الأمر من زاوية، بتقاطع زمني ووجداني يشي بغياب الحقيقة الكاملة، وهي أصوات تفكك اليقين واللايقين، لتصبح لغة السرد مشحونة بالخوف والترقب، والجمل قصيرة، متتابعة ثم متقطعة، كما لو أن الراوي يخشى أن تكمل شخصياته الفكرة، دون أن تفقد الرواية تماسها مع الحدث السياسي الصريح، كنكسة 67 والانفتاح الاقتصادي وهو يخلط الموت بالحياة والنقاوة بالفزع، في قرية تختلط بالأرواح.. عمل يستحق بجدارة الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2025 م.

تبقى «النجع» قرية بلا جغرافيا حقيقية، هي استعارة كبرى للمجتمعات العربية المحاصرة بالنسيان، وكأن المكان خُلق ليمحى، عبر سلطة الولي الذي يدعي الكرامات، والقمع المتمثل في أسطورة الطفل المشوه، بنبوءته الشعبية، وكم هي عميقة هذه الرواية، تؤمن بأن الخلاص فردي في سرد مجموعة من التائهين، وقلق جمالي في سرد عبقري لصلاة القلق، والصلاة هنا علاج رمزي، وليست طقساً دينياً، خاصة أن كل فصل في الرواية ينتهي بالنداء والابتهال والرجاء، حتى يتحول القلق إلى عبادة، والصمت الحزين إلى سجود طويل، ونص لا يُقرأ بل يرتل ليوقظك، حيث لا وباء ولا نكسة ولا نجع، بل حالة ممتدة يعيشها الإنسان العربي، فمن كتب تاريخنا؟ ومن سمح لنا بأن نرويه؟