ما يميز رواية «ملمس الضوء» لنادية النجار، ليس فقط موضوعها، بل لغتها الهادئة والشفافة، القادرة على جعل القارئ يعيش التجربة الحسية كما تعيشها البطلة، دون استدرار عاطفي أو افتعال؛ فالرواية لا تصرخ من العجز، بل تهمس بقوة التجاوز، وتمنح العتمة ملمساً دافئاً، وهي تسرد حكاية نورة، تلك الفتاة التي فقدت بصرها في طفولتها، لكنها لم تفقد رؤيتها العميقة للعالم، فمن خلال تقسيمها الرواية إلى فصول من صور، تعمل على إخراج الحواس منها، من سمع وشم وتذوق ولمس، لتمضي الكاتبة في بناء سرد حسي، تتخلله مشاهد من ذاكرة الصور القديمة عبر تطبيق مخصص للمكفوفين، ما يمنح الرواية بعداً تقنياً وإنسانياً في آن.
تستحضر الصور مراحل من تاريخ الخليج، لا سيما ثلاثينات القرن العشرين في دبي والبحرين ومناطق أخرى، وتدمج بين شخصيات خيالية وأحداث واقعية من حريق وغارات وغرق، ويصبح سردها بين الطابع التوثيقي والعمق النفسي، من خلال صور قديمة وتاريخ منسي، لتكتب نادية بنور الداخل، ويخرج هذا العمل البارز الذي لامس أفقاً من بين الأعمال العربية الجديدة، إذ وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية لهذا العام، وهذا استثمار غني وذكي في الأدب الروائي، بعد إنصات المؤلفة لمكابدة حقيقية.
رواية «ملمس الضوء» ليست فقط إنجازاً إماراتياً في مسار الجوائز، بل هي نقطة مضيئة في الرواية العربية الحديثة، سرد بالحواس من بهو الذاكرة، بفاعلية الحنين، ورؤية مختلفة، لتسأل نادية القارئ ببساطة: ماذا لو رأيت العالم من دون عينيك؟