لم يمضِ أسبوع على آخر يوم أسدلت فيه الشارقة ستائرها على معرض الكتاب، الذي تجاوز فيه عدد الحضور المليون ونصف المليون شخص من مختلف الوجهات.



حدث وإنجاز يمنحك دافعاً وأملاً بعودة المنزلة المعتبرة للكتاب، والعطش الثقافي الفكري بين أجيال الأمس واليوم والغد، بعد أن تشبعنا بعبارات «أمة اقرأ هي أمة لا تقرأ»، المصحوبة بعلامات التعجب، وغيرها من الأقوال السلبية العاطفية التي تنسب أمية العرب وتأخرهم، وصولاً إلى ابتعادهم عن تغذية عقولهم وأرواحهم بالكتاب، الذي لا يختلف اثنان على أنه لا تقدم ولا حضارة ولا ثقافة من دونه.

ولكن ما هو ذلك الكتاب الذي نعنيه؟.



تشكلت لدي صورة ذهنية للكاتب في صغري، مفادها أنه هو الذي يمضي جل وقته في تأليف عمل أدبي، يمنحه حقه في النقد والتغيير والتعديل والمحاسبة، قبل أن يفكر في نشره، ليعطي للغة بلاغتها وقيمتها. هو ذاك الذي عمل بجد حتى أصبح يقف من أجله القراء في طوابير الانتظار، لينالوا توقيعاً منه مع فرصة لقائه القصيرة الزمن، العميقة الأثر.



لقاء يكون كفيلاً بأن يغذي اللغة والعقل. إلا أنني، وحين كبرت، تبدلت تلك الصورة تماماً، بعد أن أصبح لقب «كاتب» سلعة قد ينالها بسهولة من لم يكلف نفسه حتى عناء مراجعة مسودته وتصحيح همزاته الإملائية قبل أن ينشر كتابه، فأين أصبحت مكانة الكاتب؟، ومن هو ذاك الذي أصبح جديراً بأن نطلق عليه كاتباً حقيقياً؟.



إن تسهيل إجراءات إصدار الكتب، جعل القارئ يقف حائراً أمام كمها الهائل، باحثاً عن محتوى يستحق الالتفات إليه، ذاك المحتوى الذي يتوه حتى يغرق ليطفو فوقه محتوى، تتفاجأ بأنه يتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، رغم سطحية فحواه وفقر لغته، ليجعلك تتساءل متعجباً: ماذا لو تُرجم ذاك العمل الذي يسمى أدبياً، والذي تجاوز قائمة الكتب الأكثر مبيعاً؟، هل هذه هي الصورة التي نرغب في أن نعكسها عن فكرنا وحضارتنا، ونفخر بها أمام الثقافات الأخرى؟.



كفّوا عن ترويج كتب تستخف بعقل القارئ وثقافته والذوق الأدبي العام، فلا يجب أن يكمن تباهينا بازدياد عدد الكتب ودُورِ النشر، بقدر ما يجب أن نتباهى بغزارة المخزون اللغوي والثقافي والفكري الذي تحمله تلك الكتب، وبصعوبة ودقة خطوات إنجازها فإصدارها.. والتدقيق عليها من قبل المختصين والمثقفين والمفكرين. لنِعد للكتاب وزنه وقيمته الحقيقية، رافعين شعار «إلا الكتاب»، بلا مجال للمجاملة فيه أو المتاجرة. ذاك الذي يحرك ثقافة مجتمع بكامله، ويسهم في تنوير فكره ووعيه، ويمثل تقدمه وحضارته.



إن رواية واحدة، تعكس الحراك الثقافي والسياسي، وتجسد الواقع والأحداث والزمن الذي يعيشه جيل ما وحضارة ما، لهي أولى من ألف كتاب لا تتجاوز فحواه تغريدات مكررة، وخواطر كُتبت بأسلوب مراهق، لم يتجاوز مرحلة الإعدادية.



في عام أصبح يُنادى فيه بالقراءة، كمحور حياتي ركيزي: «عام القراءة»، صار لزاماً علينا أن نسأل «ماذا قرأنا؟»، بدلاً من «كم قرأنا؟».