يقول الشاعر أحمد بخيت: خذ طلة أخرى، وهبني طلة، كي لا أموت.. ولا أرى رام الله.

رسمت لنا الكثير من الأعمال الفنية والإبداعات الأدبية ببراعتها ودقة وصفها الروح الفلسطينية بجمالها وعمق تاريخها وروحانيتها وجرحها الذي لا يندمل، ولطالما تنقلت بين تلك الإبداعات التي أثمرت من ألم حتى تأثرت بها وعشت مع شخوصها وتفاصيلها، عشت مع أحلام الرجال الثلاثة في (رجال في الشمس) التي ظلوا متشبثين بها حتى ماتت بموتهم، فاستشعرت ألمهم والجحيم الذي ماتوا فيه على الحدود، واستفزني أبو الخيزران الذي برر لنفسه متسائلاً ليريح ضميره:

لماذا لم تدقوا على جدران الخزان؟ ليظل صدى التساؤل يتردد في نفسي، وابتسمت وسط الدموع مع آمال في رواية (بينما ينام العالم) التي علمتني بأن أكبت مشاعري في داخلي أياً كانت، وبكيت حينما كتب البرغوثي في روايته (رأيت رام الله) بأن الاحتلال خلق أجيالاً عليها أن تحب حبيباً مجهولاً، نائياً، عسيراً، محاطاً بالحراس وبالأسوار وبالرؤوس النووية وبالرعب الأملس، إلا أن الكيلاني أعاد إلي الأمل حينما ذكر بأن اليأس كفر، ورحمة الله وسعت كل شيء.

قلبت كاريكاتيرات ناجي العلي حتى وجدتني أرسم حنظلة في صفحاتي دونما أشعر، واستمعت لصوت فيروز التي تغنت بزهرة المدائن حتى جعلت عيوني ترحل إليها كل يوم، وتأملت جمال الريف في (التغريبة الفلسطينية).

شكلت لي تلك الأعمال صورة لفلسطين بقُراها ومدنها.. وقدسها، ورغم أنه لا تزال هنالك تفاصيل حكايات كثيرة لم تروَ، ومشاعر لم توصف بعد، ولا تزال الرؤيا غير واضحة لصور لم تكتمل، إلا أن ذلك كله لم يمنعني من تجربة لزيارة للقدس في حلم رأوه بعيداً ورأيته قريباً.

زرتها في شتائها المغطى بثلوجها البيضاء فلم تكن دهشة عيناي ببهاء طلتها تقل عن دهشة عيني خالد حينما التقى بالفرس البيضاء التي لمعت بالحياة كما وصفها إبراهيم نصر الله في إحدى روايات ملهاته الفلسطينية.

وزرتها حينما ارتوت بالمطر فرأيت تفاصيلها جلية بانعكاسها على الماء المنهمر، أطعمت حمامها بالقمح الذي حملته بيدي، وتذوقت كعكها الشهي المدخن من عرباتها الصغيرة التي اكتست ببهجة أضواء الزينة، ولطالما تساومت في سوقها مع باعتها على أسعار الهدايا التذكارية.

لربما تناسى العالم قضية المسلمين الأولى، ولربما لم يعد لفتح ملف نقاشها والجدال في موضوعها أمراً يثير عقولهم قبل عواطفهم، ولربما لم تعد الأصوات التي تنادي بتحريرها تجدي نفعاً، لذا وفي خضم تلك الفتن والصراعات التي لا نملك من الأمر شيئاً لحلها، جرب أن تزور القدس مرة في حلم يقظة واستشعر روحانيتها وقدسيتها، ستظل تلك التجربة حلماً يسعدك.

ولربما يبكيك، لتتذكر البيت الذي اختصر فيه الشاعر تميم البرغوثي ألمه: أرأيتها ضاقت علينا وحدنا؟