هل قراءة الروايات والقصص الخيالية مضيعة للوقت؟ سؤال بدأتُ به جلستي مع قراء من مدينة تورنتو، في أبريل الماضي بدعوة من المعرض الكندي العربي للكتاب، ولماذا يُعد الأدب الخيالي ضرورياً؟ حيث يعتقد البعض أن قراءة الروايات مضيعة للوقت، وإهمال ما هو ضروري، وأنه في كثير من الأحيان تُكتب الكتب الخيالية لتسلية القارئ، بينما تكتب الكتب غير الخيالية للإعلام والجامعات والمكتبات، لتزويدهم بالمعرفة، وأن الرواية الخيالية بلا مرجع، مع تفضيل بعضهم مشاهدة الفيلم الروائي المقتبس من الرواية عن قراءتها.

بطبيعة الحال الأفلام المستوحاة من الرواية تبقى مستفزة للمشاعر الظرفية فقط، بينما القراءة ترتقي بالخيال والمشاعر الجمالية، التي تُنتجها الكتابة نفسها، فالأدب ليس مجرد محتوى، بل قيمة تنتقل عبر التباعد الزمني، وهو على عكس المجال العلمي، الذي يُعد التفسير فيه نسبياً، بينما القصص تفتح الباب للنقاش، وتحرر القارئ من سطوة الفكرة نفسها، لتذهب به إلى المتعة، لذا لا يطلب العمل القصصي من القارئ سوى أن يؤمن بالخيال الذي لا يمكن أن يكون مضيعة للوقت، وكذلك المرجعية للرواية، فلا يمكن للروايات والقصص الاستغناء عن المرجعية، فلولا المرجعية لتم إلغاء اللغة الأدبية بوظيفتها الشعرية الهائمة.

الملاحظ منذ فجر التاريخ البشري أن الإنسان يستهلك القصص، ومن الطبيعي اليوم وكل يوم أن نتساءل عن سبب بذل البشر كل هذا الجهد والطاقة في تأليف الحكايات؟ أليست لأنها تخبرنا بأشياء عن أنفسنا، وعن مشاعرنا وأفكارنا، وبشكل غير مباشر، فمنذ الأزل والقصص تجيب عن تساؤلات الإنسان حول الحب والعدالة، من خلال وصف مثالي، ينتصر فيه الخير في النهاية، وأحياناً تصف لنا القصص عن عالم سيئ، يرضي رغباتنا أثناء القراءة، ونحن نضع أنفسنا في صميم الحدث المتخيل.

لقد أثرت الروايات والقصص على حياتنا دون مبالغة، وساعدتنا على العيش صبراً وتجربة، وبات السرد كونه نصاً أدبياً أو خيالاً أنثروبولوجياً يتضافر مع الإنسان بتعويض واقعه، ببناء إنسانيته، هو يقدم المحتمل وغير المحتمل، وبالمرغوب، وبالبعيد عن آمال وخيبات الحياة، من خلال وجهات نظر الخيال في السرد كونه قيمة بحد ذاته، مستمراً في الجدل، متجاوزاً كل العصور، مستشعراً الخلود تارة، والفناء تارة أخرى، في رحلة عبر الزمان والمكان، إلى المجهول والمعروف، والسماح للإنسان الماضي والحاضر بالهرب من فوضى الحياة، ومن كل ما هو غير مفهوم، بجانب إشباع رغباته لجعله أكثر تواضعاً، وترك الغرور السطحي، بإرادة الشخصيات المتخيلة وهي تبني المشكلات وتحلها، ملاحظين جميعاً كيف أن القصص والروايات في حاضرنا وواقعنا المعاش أصبحت مسؤولة عن تمكيننا.