التحول الرقمي في القطاع الصحي – من البيانات إلى القرارات الذكية
في عصر أصبحت فيه البيانات المحرك الأول لأي نظام صحي متطور، لم يعد الطب يعتمد على الأدوات فقط، بل على الذكاء في إدارة المعلومة.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يُعد التحول الرقمي في الصحة مشروعاً وطنياً شاملاً، لا يهدف إلى تحديث التقنيات فحسب، بل إلى بناء منظومة صحية ذكية تربط بين الوقاية والعلاج وتضمن العدالة والكفاءة لكل فرد.
فالرؤية الصحية 2035 تقوم على مبدأ واضح: كل قرار طبي يبدأ من بيانات دقيقة وينتهي بخدمة إنسانية ذكية.
منصّات السجلات الصحية الموحّدة
استثمرت الإمارات خلال العقد الماضي في بناء بنية رقمية تُعدّ الأوسع في المنطقة:
• أبوظبي – منصة «ملفّي»: تضم أكثر من 12.7 مليون ملف مريض و3.5 مليارات سجل سريري، وتربط 3,072 منشأة صحية داخل الإمارة. يستخدمها أكثر من 53 ألف طبيب وممرض وفني للوصول إلى بيانات المرضى فوراً وبأمان.
• دبي – منصة «نابض»: حتى منتصف 2025، جمعت 10.41 ملايين سجل طبي من 1,888 منشأة ودمجت 91 نظاماً إلكترونياً في قاعدة موحدة تخدم أكثر من 53 ألف مختص صحي.
• المناطق الشمالية – نظام «وريد»: يربط 17 مستشفى وأكثر من 80 مركزاً صحياً ويغذي المنصة الوطنية «رعايتي» بأكثر من نصف البيانات الصحية لتلك المناطق.
بهذه الشبكات أصبحت الإمارات تمتلك منظومة وطنية موحّدة تضم نحو 4 مليارات سجل طبي و14 مليون ملف مريض فريد، تمثل إحدى أكبر قواعد البيانات الصحية في الشرق الأوسط، وتتيح قرارات صحية دقيقة قائمة على الواقع.
الذكاء الاصطناعي والروبوتات: من غرفة العمليات إلى التشخيص
تتقدم الإمارات المنطقة في توظيف الذكاء الاصطناعي والروبوتات في الطب:
• مستشفى دبي نفّذ أكثر من 145 جراحة روبوتية ناجحة منذ 2022.
• مدينة الشيخ شخبوط الطبية تخطت 500 عملية روبوتية، منها 200 في 2024 وحدها.
• كليفلاند كلينك أبوظبي أنجزت أكثر من 400 عملية روبوتية عام 2024، بينها أول جراحة استئصال ثدي روبوتية كاملة في الدولة.
• المستشفى الأمريكي دبي أجرى أكثر من 2200 عملية روبوتية منذ 2020، منها أكثر من 400 عملية خلال 2024 وحدها في جراحات الصدر والأورام والمفاصل، ليصبح من أوائل المراكز في الشرق الأوسط التي تحقّق هذا المستوى من الدقة والانتشار.
هذه الجراحات المتقدمة خفّضت المضاعفات بنسبة 90 % وسرّعت التعافي إلى أقل من ثلاثة أيام في بعض الحالات.
وفي التشخيص، أطلقت مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية نظام ذكاء اصطناعي للتشخيص المبكر في 35 مركزاً بدقة
99 % لأمراض الرئة و98.8 % لسرطان الثدي، لتقلّص زمن إصدار النتائج إلى أقل من خمسة أيام.
كما أضافت منصة «ملفّي» خاصية التنبؤ بالمخاطر الصحية بالاعتماد على تحليل البيانات الضخمة لتحديد احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة قبل حدوثها.
كفاءة النظام ورضا المجتمع
انعكست الرقمنة على كفاءة الخدمات ورضا المرضى بشكل ملموس:
• ارتفع عدد الاستشارات الطبية عن بُعد إلى 375 ألف استشارة عام 2023 (+ 28 % عن 2022).
• بلغت نسبة رضا المرضى 92 % ورضا الكوادر الصحية 97 %، وأُنجزت 85 % من الاستشارات خلال يومين فقط.
• أسهمت المنظومة الرقمية في خفض الأخطاء الطبية وتكرار الفحوصات بنحو 20 % وتقليص تكاليف التشغيل 15 % في بعض المستشفيات عبر أتمتة العمليات وتحسين استخدام الموارد.
• ارتفع معدل رضا المتعاملين العام إلى 89 % عام 2024، الأعلى منذ تأسيس النظام الصحي الاتحادي.
موقع الإمارات في المؤشرات العالمية
• وفق مؤشر الابتكار الصحي العالمي 2024، جاءت الإمارات الأولى عالمياً في تبنّي التقنيات الصحية الرقمية.
• احتلت المرتبة 20 عالمياً والأولى إقليمياً في جودة الرعاية الصحية، وضمن أفضل 10 دول في 21 مؤشراً صحياً فرعياً.
• تغطي شبكة 5G في الدولة 100 % من المناطق المأهولة، ما يجعل الإمارات مؤهلة لتكون منصة عالمية للطب الذكي والافتراضي.
دروس من سنغافورة وكوريا الجنوبية
• سنغافورة: تُطبّق نظام NEHR الذي يُلزم جميع مقدمي الرعاية بربط بياناتهم بالسجل الوطني بحلول 2025، ما خفّض تكرار الفحوصات 15 % ورفع كفاءة القرارات العلاجية.
• كوريا الجنوبية: تعتمد منصة DUR لمراجعة الوصفات الدوائية لحظياً، ما خفّض الأخطاء 35 %، إضافةً إلى منصتها الوطنية لإدارة الأمراض المزمنة التي تخدم أكثر من 460 ألف مريض وتزيد الالتزام بالعلاج 5 % سنوياً.
هاتان التجربتان تؤكدان أن حوكمة البيانات والتشريعات المرنة هما أساس نجاح أي نظام صحي رقمي — وهو ما تبنّته الإمارات مبكراً ضمن رؤيتها للتحول الذكي.
لم يعد التحول الرقمي الصحي في الإمارات مشروعاً تقنياً، بل ركيزة وطنية للعدالة والكفاءة.
فمنصات السجلات الموحدة، والذكاء الاصطناعي في التشخيص، والتطبيب عن بُعد، أعادت تعريف مفهوم الرعاية الصحية.
وبينما تستلهم الإمارات من تجارب سنغافورة وكوريا الجنوبية، فإنها تسير بثقة نحو أن تكون الدولة التي تُحوّل البيانات إلى قرارات ذكية، وتضع الإنسان في قلب منظومتها الصحية.
بهذا النهج، تمضي الإمارات بثبات لتصبح عاصمة الابتكار الصحي العالمي بحلول 2035.