خلق الله سبحانه وتعالى الأمراض التي تنقل الكائنات الدقيقة عدواها إلى الإنسان، وخلق لكل مرض دواءً. ويكافح العلماء جاهدين لإيجاد العلاج الشافي للأوبئة المستعصية على وجه الخصوص، التي تحصد عدداً لا يحصى من الأرواح يومياً.
وهناك بعض العلاجات التي اكتشفها العلماء بمحض الصدفة. وأغرب هذه العلاجات ما نشرته صحيفة "الديلي ميل" البريطانية أخيراً عن اكتشاف بعض الأشخاص أحدث علاج لالتهاب المفاصل وهو في متناول اليد ويستطيع كل شخص يعاني من هذا المرض المؤلم تجربته فبعض رشات من البخاخ المزيل للصدأ (WD-40) على المفاصل يعيد إليها مرونتها ويزيل الألم..
وقد شكلت لجنة من الأطباء البريطانيين لدراسة هذه الحالة وتقديم تفسير لها وهم حائرون في أمرهم ما بين مصدق ومكذب. ولكن من التعليل المنطقي يبدو أن هذا البخاخ يصل إلى المفاصل عن طريق النفاذ من المسامات ويزيل التراكمات الدهنية عنها، تماماً كما يزيل الصدأ عن المواد المعدنية كالبراغي والمفاصل الحديدية مما يسهل تفكيكها.
ومن العلاجات التي اكتشفت بمحض الصدفة المضادات الحيوية التي بدأت قصة اكتشافها إثر سلسلة من التجارب قام بها طبيب إنجليزي يدعى الكسندر فلمنج، حيث لاحظ عام 1929م وجود عفن أخضر ينمو في أحد صحائف مزرعة الجراثيم، ..
كما لفت نظره أن المستعمرات الجرثومية الملاصقة للعفن قد توقف نموها واندثرت، فأخذ يبحث عن تفسير لتلك الملاحظات حتى تأكد أخيراً أن هذا العفن يفرز مادة تبيد الجراثيم، بعدها اتجهت محاولاته في فصل تلك المادة وفعلاً استطاع استخلاصها والحصول عليها، وأطلق عليها اسم البنسلين نسبة إلى نوع العفن الذي يفرزها المسمى البنسيليوم.
إلا أن فلمنج لم يكن كيميائياً فلم يستطع استخلاص البنسيلين بشكل نقي ولم تستفد البشرية من البنسلين إلا بعد 11 عاماً أي عام 1940م حينما تمكن الدكتور فلوري وزميله بعد إجراء سلسلة من التجارب من استخلاص البنسلين نقياً، وتم تجربته على الفئران لاختبار مفعوله.
أما أول اختبار للبنسلين على الإنسان فكان في عام 1941، حينما حقن به شرطي كان مصاباً بالالتهاب وفي حالة احتضار، فتحسنت حالته وشفي تماماً. بعدها أخذت صناعة البنسلين تنتشر على نطاق واسع مما ساهم بإنقاذ حياة مئات الآلاف من الجرحى خلال الحرب العالمية الثانية.
وبدأت المضادات الحيوية الأخرى بالظهور تباعاً، ولكن الجراثيم بدأت الآن تطور مقاومة فعّالة لهذه المضادات الحيوية مما يهدد بالرجوع إلى ما قبل عصر اكتشاف البنسلين، إذا لم يتم اكتشاف مضاد حيوي ناجع لهذه الجراثيم الخارقة.
ولا شك أن هناك كثيراً من العلاجات التي تنتظر من الإنسان أن يتوصل لها ولو بمحض الصدفة لتسهيل الحياة على المرضى الذين يعانون من بعض الأمراض المستعصية.