عاشت مصر ثورة أسطورية، ربما كانت غير مسبوقة في التاريخ من حيث نبلها، إذ لم تتم إراقة نقطة دم واحده بيد الثوار رغم الأحقاد التي خلفها النظام السابق ورغم القمع الذي تم استخدامه في مواجهتها وراح ضحيته نحو 800 شهيد، كما لم تفرض الثورة إرادتها على الدولة (ممثلة في القوات المسلحة والقضاء)، بل تركوا لها أن تتصرف وفقا للقانون إزاء بقايا النظام وفلوله، واكتفى الثوار بفرض إرادتهم في إسقاط السلطتين التنفيذية والتشريعية.
لم تعلق أعواد المشانق، ولم تشهد مصر محاكم تفتيش، وتم التراضي على أن تقود القوات المسلحة والقضاء بقياداتهما السابقة عملية نقل السلطة في هدوء وبما يجنب مصر السقوط في فخ الفوضى أو التنازع على السلطة.
لكن كما يحدث بعد كل الثورات الشعبية، تمور البلاد بحراك سياسي محموم، فكثيرون يحاولون جني أكبر قدر ممكن من المكاسب عبر ركوب الموجة أو ادعاء الفضل فيما حدث، رغم انه لا فضل لأحد إلا للثوار الحقيقيين وأغلبهم من عامة الناس وبسطائهم، وعدد من الشباب الذين دعوا إلى تحرك شعبي ولم يكن في أحلامهم أن تقود المقدمات إلى النتائج التي انتهت إليها.
لم اندهش أن يفكر كل 10 أشخاص اجتمعوا بالميدان في تكوين حزب، كما لم يفزعني أن يفكر كل من هب ودب في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، فالمجتمع كله كأنما نشط من عقال، كل يتصور أن بمقدوره أن يغير وجه الحياة أو أن يقنع الناس بأفكاره حتى وإن كانت مسطحة وتافهة، يستسهل كثيرون الأمر على اعتبار أن التغيير ؟ في نظرهم ؟ حدث ببساطة عبر دعوة على الفيس بوك، متناسين أن المجتمع ظل يغلي كالقدر على مدى سنوات وأن هناك آلاف ضحوا ودفعوا أثمانا غالية وهناك من دفع حياته أو ضحى بمستقبله أو رضي بالتهميش أو السجن في سبيل ما يعتقد، ولذلك كان المجتمع جاهزا في انتظار شرارة.
لا فضل لأحد فيما حدث، اللهم إلا استبداد النظام وتجريف الثروات لصالح قلة متنفذة والمحاولة الانتحارية لتوريث الشعب المصري وكأنه عقار، فأغلب التيارات والأحزاب سخرت من الدعوة وأعلنت مناهضتها في بداياتها، وعندما تأكدت أن هناك إرادة شعبية عارمة لحست مواقفها السابقة والتحقت بالثوار باحثة عن موطئ قدم، وهناك كثيرون ذهبوا إلى الميدان لالتقاط صورة بين الحشود يحاجون بها إذا ما نجح الشعب في فرض إرادته، ومن بين التيارات التي التحقت في وقت متأخر جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وحزب الوفد وحزب التجمع، ولولا أن شباب هذه الأحزاب والتيارات فرضوا إرادتهم لظلت خادمة للنظام حتى يلفظ آخر أنفاسه.
العجيب أن من التحقوا بالقطار متأخرا هم من يعاكسون الآن التيار العام في مصر، ويريدون تمرير التعديلات الدستورية المعيبة، كما أنهم يطرحون مرشحين لرئاسة الجمهورية مشوهين نفسياً أو ممالئين للنظام السابق أو حتى كانوا مجرد أدوات صنع الأمن نجوميتها واستخدمها لخدمة مصالحه. هم يفعلون ذلك لأن الشعب الذي ثار بحق لم ينظم نفسه بعد في اطر سياسية، وهم القوى الوحيدة المنظمة، ولذلك فإن أي انتظار سيقلل من فرصهم في ركوب الموجة.
والخطأ الذي ارتكبته القوات المسلحة هو تحديد فترة 6 أشهر فقط لنقل السلطة، لكنها معذورة إذ وجدت على عاتقها عبئا لم تكن مستعدة له، لكن هذا الاستعجال قد يجعل مصر تسقط في فخاخ تيارات أو أشخاص تجعل المصريين يترحمون على مبارك ونظامه.
magdyshendy1@yahoo.com