انـتُـخِـب السياسي اليساري المخضرم غوستافو بيترو رئيساً تالياً لكولومبيا، حيث فاز على خصمه الشعبوي اليميني رودولفو هرنانديز سواريز بهامش ضئيل لكنه غير متنازع عليه. وبهذا، انضمت أخيراً واحدة من أكثر دول أمريكا اللاتينية مُـحافَـظة إلى قائمة الدول التي صوتت لمصلحة (ثم ضد في وقت لاحق) قادة زعموا أنهم «تقدميون» ــ بأغلبية تشريعية في بعض الأحيان، ومن دونها في أحيان أخرى ــ منذ عام 1998.

الواقع أن أمريكا اللاتينية شهدت أخيراً ما قد يصفه بعض المراقبين على أنه «المد الوردي». يأتي فوز بيترو في أعقاب فوز مانويل لوبيز أوبرادور في المكسيك، وبيدرو كاستيلو في بيرو، وغابرييل بوريتش في شيلي، ولويس آرسي في بوليفيا، وزيومارا كاسترو في هندوراس، وألبرتو فرنانديز في الأرجنتين.

ينتمي بيترو إلى اليسار المسلح، وإن لم يكن بالضرورة النوع الماركسي اللينيني. كانت حركة العصابات المسلحة التي كان عضواً فيها في ثمانينيات القرن العشرين، (M-19)، أقرب إلى كونها جماعة مفرطة القومية ومؤيدة لكوبا تحافظ على روابط وثيقة مع هافانا، وتزاول بعض الأنشطة الخطرة.

كانت أسباب فوز بيترو أخيراً واضحة. فقد تمكن الإحباط من الكولومبيين إزاء ديمقراطية تقودها النخب، والتي فشلت على الرغم من فعاليتها في عموم الأمر في تسليم المنافع العامة. كان الإحباط واضحاً في العام المنصرم، عندما تسبب اقتراح معقول للإصلاح الضريبي تقدمت به إدارة إيفان دوكي المنتهية ولايته، والمرتبط بالرئيس اليميني السابق ألفارو أوريبي، في استفزاز احتجاجات حاشدة.

من منظور الكولومبيين، نجد أن الأحزاب التي حلت محل الترتيب القديم المؤلف من حزبين، ليبرالي ومحافظ، فقدت مصداقيتها إلى حد كبير. وحتى الرئيس السابق الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي يحظى بقدر كبير من الاحترام، خوان مانويل سانتوس، واجه حالة من السخط والاستياء إزاء نتائج اتفاقية السلام لعام 2016 التي تفاوض عليها مع جماعة أخرى من العصابات المسلحة، القوات المسلحة الثورية في كولومبيا (FARC).

على هذه الخلفية، ليس من المستغرب أن نرى المشاعر المعادية للقائمين على الأمور التي اكتسحت أمريكا اللاتينية في السنوات القليلة الأخيرة وقد اجتاحت كولومبيا، وهو ما دفع الناخبين إلى احتضان مرشح أكثر تقدمية. استفاد بيترو أيضاً من محاكاة سواريز على نحو منفر لدونالد ترامب والبرازيلي جاير بولسونارو في جولة الإعادة.

النبأ السار هنا هو أن بعض عناصر برنامج بيترو تضعه في صفوف اليسار الديمقراطي الحديث الخاضع للعولمة، جنباً إلى جنب مع بوريتش وربما لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الرئيس البرازيلي السابق الذي من المرجح أن يُـنـتَـخَـب مرة أخرى هذا الخريف، وتميزه عن زعماء شعبويين مثل لوبيز أوبرادور، وفرنانديز.

في كل الأحوال، يبدو أن بيترو يدرك أن كولومبيا تحتاج إلى شيء أقرب إلى دولة الرفاهة الحديثة، وأن هذه الدولة ستتكلف المال، وأن الطريقة الوحيدة لتمويلها هي من خلال الضرائب.

خاض بيترو حملته أيضاً ببرنامج مؤيد للحركة النسوية، ومناهض للعنصرية. وقد تكون الكيفية التي يتعامل بها بيترو مع الكونجرس المفتت أيضاً مدعاة للقلق.

في نهاية المطاف، سيضطر بيترو إلى الاختيار بين التوصل إلى اتفاقات مع مجتمع المال والأعمال الكولومبي القوي والمحافظ بشأن إصلاحات مهمة وبين تخفيف طموحاته. وقد واجه بوريتش ولوبيز أوبرادور معضلات مماثلة، وإن كانا تعاملا معها بشكل مختلف تماماً.