كانت الحكاية من أولها لآخرها لافتة، لذا يجب ألا تمر دونما التوقف عندها، ففيها من العبر والدروس ما يمكن أن يفيد، ليس أصحابها فحسب، بل الآخرين.
معلوم أن المنتخب السعودي لعب أمام شقيقه المغربي في آخر مبارياتهما بكأس العرب بالصف الثاني، بعد أن ضمن الصعود، لكنه رغم هزيمته بهدف وحيد، وضعه في المركز الثاني بدلاً من صدارة المجموعة، التي انتزعها منافسه، أقول: «ورغم هزيمته إلا أنه بسبعة لاعبين احتياطيين قدم عرضاً قوياً متناغماً، وكانت عنده فرصة لتعويض الهدف بناء على استحواذه الدائم، وهجماته المتلاحقة، وكاد أن يحدث ذلك بالفعل عندما احتسب الحكم ركلة جزاء في الوقت المهم من المباراة، وتقدم لها لاعبه عبدالله الحميدان، وبدلاً من أن يسجل بجدية فوجئ الجميع بأن اللاعب لجأ للأسلوب الاستعراضي، وأراد أن يسجلها بالطريقة الساقطة من فوق الحارس بانينكا، فإذا بالكرة تخونه، وتذهب فوق العارضة جزاء لاستهتاره، وكان ذلك سبباً رئيسياً في هزيمة فريقه، الذي لم يكن يستحقها، والتي أضاعت عليه شرف الحصول على صدارة المجموعة».
المهم في نهاية المباراة أدلى المدرب رينالد بتصريح غاضب، وكان وجهه متجهماً وهو يهاجم اللاعب على الهواء بقوله: «عندما لا تحترم كرة القدم فعليك أن تدفع الثمن وهو الهزيمة! ثم رحل المدرب دونما تعقيب آخر».
وعندما جاء موعد المؤتمر الصحفي فوجئ الجميع بأن الجهاز الإداري السعودي يأتي باللاعب نفسه إلى المؤتمر بجانب المدرب، وظننا أنه بذلك يؤدبه على استهتاره أمام الجميع، وعلى الهواء مباشرة أيضاً، لكن المشهد لم يكن كذلك، فقد كان أسلوباً تربوياً حازماً، فاللاعب بمجرد وصوله إذا به يتجه نحو مدربه، ويقبل رأسه معتذراً ونادماً، ويعلن اعتذاره لرجال الإعلام على الملأ، ويبدي ندمه، فما كان من المدرب إلا أن تقبل اعتذار لاعبه، وقابله بابتسامة عريضة وهو المدرب الحازم المتشدد، ثم يدلي بتصريحات مهمة حول تصرف لاعبه ومواجهته للخطأ في محفل عام بشجاعة، ويشيد أيضاً بفريقه الثاني، الذي قدم عرضاً أفضل من فريقه الأول، ليؤكد للجميع أن كرة القدم السعودية بخير، ولديها كثرة من اللاعبين الجاهزين دوماً.
إنها حكاية ذات مغزى، وفيها الكثير من المعاني والدروس، وتتأكد فيها - ليس فقط - حزم المدرب ورفضه للاستهتار، بل الأهم رفض الاتحاد السعودي لكل التصرفات غير المسؤولة وحزمه وشدته في مواجهة الخطأ، ثم المهم أيضاً سرعته في حل المشكلة في مكان عام حتى يتخلص منها الفريق واللاعب نفسه، ويواصل مشواره نحو اللقب، الذي يسعى إليه.