لم يعد هناك شيء مستحيل في هذا الزمان .. وكل شيء بات ممكناً ومباحاً .. فإذا قيل لك: إن وصول نيل أرمسترونغ، وسيره مثل الكانغرو قفزاً على سطح القمر كان مجرد كذبة، وما شاهدته كان «فوتوشوب» تم تصويره بكاميرات هوليود في صحراء نيفادا بأميركا، فصدق دون أي اعتراض ..
وإذا قيل لك يمكنك أن تصطاد سمكة هامور من البحر برسالة نصية مع الشبكة الثالثة الجديدة فلا تستغرب، بل أضف لمستك على الأمر بأن تطلب السمكة وهي ترتدي مايوه.
أما إذا قيل لك: إن سيارة ميسي فيها حمام سباحة أولمبي، أو أن حسن زهران لاعب الوصل الجديد شوهد في إحدى المباريات دون أن يحصل على إنذار، أو أن منتخب قطر يضم لاعباً قطرياً، أو أن كوزمين عاد إلى تدريب العين فاستعاد الأهلي نقاط مشاركة عدنان ..
فإياك أن تبدو مندهشاً حتى لا يصفك أحد بالغباء، وحاول أن تبدو طبيعياً مع ابتسامة ثقة، واكتفِ بقول: سبحان الله .. فكل هذا بات ممكناً الآن وأكثر.
وعليه فلا غرابة أن تنقل لنا وسائل الإعلام الحديثة من إنترنت وأخواتها «فيسبوك وتويتر وإنستغرام»، وقديمها من صحف وإذاعة وتلفاز .. خبر انتقال مشجع ـ نعم مشجع ـ من تشجيع فريقه السابق إلى فريق آخر منافس ..
وأن احتفالاً أنيقاً حضره لفيف من جماهير الدرجة الثالثة للإعلان عن هذا الحدث الكبير الذي تمت تفاصيله في سرية تامة حتى لا يفسده الدخلاء .. فأضحى منافس الأمس أبرز مشجعي اليوم ..
ومشجع الأمس في مدرج الخصم ... وحالّو ياحالّو رمضان كريم ياحاّلو .... هذا الخبر هو أحدث ما وصل إليه الاحتراف الكروي الذي باتت ترتكب باسمه كل الغرائب .. ومعه كم من ثوابت أفنينا عمرنا نرددها باتت «نوعاً الآن من السكراب».
مشجع يترك تشجيع فريقه الذي كان يشجعه منذ الصغر، بل ربما قبل الميلاد .. فلم يشاهد هذا المشجع من قبل إلا وهو ممسك بعلم ناديه، هاتفاً باسم لاعبيه المعتزلين والناشئين .. وهو القائل «إذا جاء يوم ولم يكن هناك من يشجع نادينا، فاعلموا أنني مت والبقاء لله» ..
هذا المشجع الآن يمسك بعلم الفريق المنافس مشجعاً يتغنى باسم لاعبيه عموري وجيان .. كل هذا ولا أي اندهاش أو غرابة وعادي، فصدقه حتى لا توصف بأنك هاوٍ متخلف «لا سمح الله»، لكن الذي لا يصدق هو نشر خبر الانتقال التشجيعي إعلامياً ..
بل الاحتفال به كحدث كروي .. وليقل لي عاقل كيف؟ وليعرّفني أحد خبراء التشجيع ابتداء من حرية إلى عنتر إلى العمدة .. م
ا القيمة الفنية والتشجعية التي سيضيفها هذا المشجع أياً كانت قدراته سواء في الحشد أو التحفيز لفريق كبير، ما نوع الأغاني العاطفية التي سيضعها أو الهتاف الذي سيطلقه، فتتحول معه أقدام اللاعبين إلى منجنيق يقذف كرات اللهب نحو الشباك، وما الصوت الذي سيتغنى به فتتفجر طاقات يفوز بها الفريق بدوري الرديف؟
ما أعرفه وأفهمه ولا أعتقد أنه سيتغير هو أن علاقة الحب بين المشجع والنادي علاقة تنشأ بفعل مؤثرات مختلفة تتراكم وتتصاعد حتى تصبح رابطاً أبدياً ..
علاقة لا يريد منها المشجع أكثر من الوقوف خلف فريقه في كل مكان لا يريد من أحد جزاءً ولا شكوراً .. وكم من مشجع ذاب عشقاً في فريقه، بكى سراً حين خسر فريقه مباراة، ثم احتفل وابتهج وفرح حين فاز، وكأنه حصل على «لامبورغيني» مهرجان التسوق دون أن يفكر في أن يراه أحد.
فهل أحد منكم شاهد الطفل الصغير مشجع نادي وست هام يونايتد الإنجليزي الذي حين خسر فريقه أمام فريق نوتنهام فورست في كأس الاتحاد الانجليزي 5- صفر ..
ظل هذا الطفل في حالة بكاء شديدة ابتداء من الهدف الثالث، واستمر يبكي حتى الهدف الخامس الذي دخل مرمى فريقه .. وأمه تحاول تهدئته دون جدوى، فرصدته الكاميرات دون أن يدري، أو يسعى أن يراه أحد، إنه الحب والانتماء فقط.
وتفاعلت إدارة نادي ويستهام مع مشجعها الصغير، فقررت دعوته هو وعائلته لحضور لقاء الفريق القادم من المقصورة الرئيسة، كأقل اعتذار يمكن أن تقدمه لهذا المشجع المخلص، إيماناً بأن الجمهور هو الباقي، وكل ما حول النادي زائلون .
هذا البكاء الصادق يسمى في علم الأنثروبولوجيا انتماء .. فعلاقة المشجع بناديه علاقة ارتباط وحب، تنشأ في لحظة لا يعرف سببها أو دوافعها، وتستمر في نمو وازدياد، وليس بإعلان انتقال .. وكم من أسرة بها أب عيناوي وابن وحداوي أو ابن أهلاوي وحفيد جزراوي أو وصلاوي .. دون أن يعرف أحدنا كيف أصبح هذا وحداوياً، وهذا عيناوياً أو نصراوياً.
ومهما كانت النتائج والهزائم، ومهما طال الغياب عن منصة البطولات، لم نسمع عن مشجع تحول من تشجيع فريقه إلى فريق آخر واحتفل بهذا التحول .